«بوتشا» وصناعة الحق والباطل

«بوتشا» وصناعة الحق والباطل

المغرب اليوم -

«بوتشا» وصناعة الحق والباطل

مشاري الذايدي
بقلم : مشاري الذايدي

من السذاجة بمكان تصوير الحرب بين روسيا والغرب، من خلال الساحة الأوكرانية، بمظهر مثالي، على هيئة حرب بين الخير والشر، النور والظلام، الحرية والعبودية.
ثمة حرب مصالح وصراعات مادية صلبة بين المعسكرين، الروسي والغربي، وما قشرة الشعارات، من الجانب الغربي أو الروسي، إلا تعلّة أخلاقية وغشاء قيمي لمحتوى مصلحي.
فلاديمير بوتين ليس الشيطان، وجو بايدن ليس الملاك، والعكس صحيح، لذلك من الحصافة الحذر كل الحذر في مضغ وازدراد المأكولات الدعائية حول أخبار أوكرانيا وروسيا، خاصة الدعاية الغربية، بحكم أن الغرب بقيادة أميركا هو المهيمن على الميديا والنيوميديا والسوشيال ميديا. أي خبر أو صورة أو فيديو أو أرقام تهطل من الغمام الأوكراني اليوم يجب فتح مظلّة الحذر تحتها وحولها، حتى يصفو الماء الزلال من الكدر.
الخبر اليوم هو «مجزرة» بلدة «بوتشا» حول العاصمة «كييف» ومعلوم أنه في كل حرب تظهر صورة أو أيقونة تختصر الحرب، مثل غرنيكا في الحرب الإسبانية وما شاكل ذلك.
الروس يكذبون الاتهامات الغربية بارتكاب جيشهم جرائم ضد المدنيين، والغرب يؤكد، وتستشهد الميديا الروسية بتعليق من وصفته بالصحافي الأميركي مايكل تريس، الذي أكّد على حسابه في «تويتر» أن مواد الفيديو حول مدينة «بوتشا» بمقاطعة كييف التي روّجت لها السلطات الأوكرانية تهدف إلى دفع أميركا والناتو إلى المشاركة في الأعمال العسكرية في أوكرانيا.
متهماً الصحافين الغربيين بأنهم «نسوا كل معايير الصحافة من أجل تسهيل جهود الدعاية لحكومة دولة أخرى».
في المقابل، تتهم الميديا الغربية نقلاً عن الأوكرانية الروس بالتوحش وبوتين بمجرم الحرب، بايدن أعاد تأكيد الوصف من أيام، وأن الروس تعودوا على التوحش، كما في غروزني وحلب من قبل.
الحال أننا أمام مشهد عالمي منقسم بعمق عميق، والأمر كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قبل أيام إنه يشعر بالأسف للانقسام في مجلس الأمن «ليس فقط بشأن أوكرانيا، بل بشأن كل القضايا التي تهدّد السلم الدولي».
أمام هذا الانقسام والاحتراب الشامل، يصبح الإعلام وصناعة الصورة أداة من أدوات الحرب، هنا وهناك، فمن المعلوم أنه لا مفاجأة إن قلنا بهيمنة الدولة الروسية على صناعة الصورة والرأي داخل حدودها، لا جديد في ذلك! لكن الأخفى والأغمض هو فعل ذات الشيء في العالم الليبرالي الغربي «الحرّ»، هنا تصبح المسألة أكثر حاجة للكشف.
بكل حال، فهذا السلوك، أعني صناعة صورة مزيّفة، في الميديا الغربية لخدمة هدف سياسي، ليس جديداً، على الأقل سبق لهوليوود تناوله صراحة، في فيلم wag the dog (ذيل الكلب)، الذي أنتج عام 1997، وقام ببطولته داستن هوفمان وروبرت دي نيرو، كان يعرض قصة تورط رئيس أميركي بفضيحة داخلية، ولغرض سياسي وانتخابي يجب صرف النظر عن فضيحة الرئيس، فيتم استدعاء «حلّال المشكلات» السيد «كونراد بين» لحلّ المعضلة، يكون الحل بصناعة صورة مزيفة عن حرب في ألبانيا، تستدعي تدخل الأميركان. يقرّر «بين» أن الحرب ستكون ضد ألبانيا!
لماذا ألبانيا؟ يجيب؛ لماذا ليست ألبانيا؟! ماذا يعرف الأميركان عن ألبانيا؟
لا شيء. بالضبط!
وبعد... فمن المؤكد أن الجيش الروسي ارتكب بشاعات في أوكرانيا، ومثله الجيش الأوكراني أيضاً ضد محازبي روسيا، لكن المهم ألا تُؤخذ عقولنا في زحمة الزيف.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«بوتشا» وصناعة الحق والباطل «بوتشا» وصناعة الحق والباطل



GMT 16:02 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

إيران ماذا ستفعل بـ«حزب الله»؟

GMT 15:59 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

أنطونيو غرامشي... قوة الثقافة المتجددة

GMT 15:57 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

الجامد والسائح... في حكاية الحاج أبي صالح

GMT 15:52 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

الفرق بين المقاومة والمغامرة

GMT 15:49 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

أشياء منى حلمى

نجمات العالم يتألقن بإطلالات جذّابة بأسبوع الموضة في باريس

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 12:57 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

"الاستهتار" يدفع حكم لقاء سبورتنغ والطيران لإلغاء المباراة

GMT 03:43 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

العلماء يعثرون على مقبرة اللورد "هونغ" وزوجته في الصين

GMT 19:20 2017 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

سعد الدين المرشّح الأقوى لمنصب رئيس البرلمان المغربي

GMT 11:14 2015 الثلاثاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

سيارات نيسان الكهربائية تمد المنزل بالطاقة

GMT 04:18 2016 الإثنين ,16 أيار / مايو

أم لستة أطفال تستخدم الخضروات في أعمال فنية

GMT 00:57 2015 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الحاجة أم يحيى تكشف عن حقيقة السحر وأسرار الأعمال السفلية

GMT 12:56 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد والترجي الجمعه في أقوى مواجهات الجولة الرابعة

GMT 15:43 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مارسيلو يخالف لاعبي الفريق الملكي بشأن زميله بنزيمة

GMT 02:00 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مجموعة عطور جديدة من "Trouble in Heaven Christian Louboutin"

GMT 12:37 2024 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

الوداد المغربي يُخصص تذاكر خاصة لجماهير المغرب الفاسي

GMT 15:54 2019 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

شركة أميركية تطرح هاتفا ذكيًا بسعر "استثنائي" في المغرب

GMT 04:45 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

الملا يكشف عن علاج مرض بطانة الرحم المهاجرة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib