إطلالة رمضان على جياع غزة

إطلالة رمضان على جياع غزة

المغرب اليوم -

إطلالة رمضان على جياع غزة

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

ليس بالأمر المخالف للناموس، أن تطل مناسبة تتكرر مواعيد الناس معها مرة، أو اثنتين، كل عام، فإذا الإطلالة غير التي سبقتها؛ إذ هي إما أسطع بهاءً، أو أنها تتضور من جوع لنسمة فرح، بعدما أخذ وجعُ قرح ترافق مع حلولها، ينهك أفئدة أصابها الضمور في صدور آباء وأمهات نسوا جوعهم بعدما لم يعد بوسع الحجر أن يُسكت أنين جوع أطفالهم. يمكن القول إن ما سبق من كلمات ينطبق تماماً على إطلالة شهر رمضان الفلسطينية هذا العام، وقد أتى يحمل من الآلام والأحزان، أقسى مما يُطاق، بفعل ما يجري على أرض قطاع غزة، جراء همجية غير مسبوقة تمارسها إسرائيل بلا خجل، ناهيك عن وازع الضمير، بقيادة الثلاثي المتطرف بنيامين نتنياهو، وإيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش. أما ثالثهم فهو زعيم حركة «الصهيونية الدينية»، وثانيهم هو أحد أهم أتباع الحاخام مائير كاهانا، الداعي إلى محو الوجود الفلسطيني نهائياً، فيما بات أولهم أشهر سياسي معاصر سوف تُضرب به أبشع أمثال التنطع، خصوصاً إزاء إزهاق أنفس الأطفال والنساء.

تُرى، لماذا اتخذ جوع أهل قطاع غزة، سواء الطفل منهم، أو صبايا النساء والعجائز، الشباب بين الرجال، أو الطاعنين في السن، هذا الذي نرى من سباق دولي غير مسبوق لوقف نزف الألم في الأمعاء الخاوية؟ هو بالفعل نوع من الهرع العالمي المتميز إذا قورن بحالات مماثلة مرت على العالم من قبل، وربما الأصح القول إنها حالات مجاعة كانت أشد قسوة اجتاحت أجزاء عدة من القارات الخمس، طوال الخمسين عاماً الماضية، وحصدت ملايين الأرواح. الإجابة عن السؤال ليست بحاجة إلى عبقرية ذات تميز ساطع عن غيرها. كلا، إطلاقاً، هي إجابة تكمن في تميز الحالة الفلسطينية ذاتها. يلفت النظر، في هذا السياق، أن عدداً من كبار الكتاب والمفكرين، إضافة إلى لامعين في الاجتهاد بشأن اقتراح حلول للمستعصي من أزمات العالم، طفقوا خلال بضع سنين مضت يطلقون مصطلح «المسألة الفلسطينية» عند طرح قضية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي كموضوع بحث أكاديمي، أو دراسة، أو مقالة. معروف أن التوصيف مستنسخ من تعبير «المسألة اليهودية»، الذي أطْلِق على أزمة التعامل الغربي مع اليهود عبر التاريخ الحديث.

هل منبع الاهتمام العالمي، إذنْ، بجوع أهل قطاع غزة هو لأنهم يعيشون فوق أرض هي جزء من صراع تعني تحولات مساره صنّاع كل القرارات التي تخص الأمن العالمي؟ نعم، ذلك استخلاص صحيح على الأرجح. ففلسطين الأرض، من جهة، والبشر الذين هم أطراف الحروب التي شهدتها طوال مئات السنين، من جهة ثانية، هي بحق قضية، وليست مجرد «مسألة»؛ وإذ ذاك فهي لا تشبهها أي من قضايا الاحتلال والتحرر باختلاف أماكنها وتباين مناهجها.

القول بما تقدم نابع من الواقع الماثل كحدث أمام الأعين، والواضح أنه حلقة في مسلسل ماضٍ قريب، نشأ هو الآخر على أنقاض الماضي الأبعد منه بقرون، هو قول ليس فقط من منطلق المبالغة في التضخيم، أو البلاغة في إنشاء الحديث، بل تؤكده تحولات عدة شهدها إقليم الشرق الأوسط وكان لها تأثيرها البعيد المدى عالمياً؛ لكونه المنطقة التي يعدّها كثيرون «صُرّة» العالم، جغرافياً وتاريخياً من جهة، وإمكاناتٍ اقتصادية، وثروات من جهة ثانية. أمِن عجب إذن، إذا سارع الرئيس جو بايدن ينشئ رصيف الميناء المؤقت على شاطئ غزة، بعدما رأى غيره يبادر إلى محاولة كسر عظم الحصار الإسرائيلي الظالم، بإلقاء المساعدات للجوعى من الجو؟ كلا، بل العجب أن يطغى نتنياهو إلى المدى الذي أجبر الآخرين على ابتكار ما يبدو نوعاً من العجائب لمساعدة ضحاياه على النجاة من طغيانه المتواصل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إطلالة رمضان على جياع غزة إطلالة رمضان على جياع غزة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib