الجامعة ضرورة عربية

الجامعة ضرورة عربية

المغرب اليوم -

الجامعة ضرورة عربية

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

ليس خطأ جامعة الدول العربية، ولا هي خطيئتها، أن الدول العربية التي تأسست كي تجمع بينها، تتفرق توجهاتها على الصعيد الدولي، فيقع تضارب يضر بمصالح أمتها، عِوض أن تجتمع سياساتها إزاء كبريات المصائب التي تُلم بشعوبها، ويصبح من الصعب، وأحياناً من المستحيل، تقريباً، أن تتفق على الحد الأدنى من أساليب التعامل مع ما يفاجئها من المُلمات؛ خصوصاً حين تكون المفاجأة بحجم كارثي، يضع أمة العرب جميعاً أمام مفترق دروب يحتم عليها اختيار أنسب الطرق، بغرض تجنب ضياع ما تبقى، ولو القليل من الأمل، في ألا يذهب الذي تحقق من قبل هباءً تذروه رياح أطماع الآخرين بثروات عدة تختبئ تحت تراب أرض العالم العربي، وفي أعماق بحاره، وعلى امتداد صحاريه.
هل مِن مِثال يرجع إلى أمس غير بعيد، يُذكِّر بمثل هكذا افتراق كاد يودي بالعرب إلى مهاوي الانتحار الذاتي؟ نعم، يكفي استحضار الخلاف العربي قبل ثلاثة عقود وعامين، بشأن كيفية الرد على اجتياح الرئيس العراقي صدام حسين ديار جاره الكويتي، وتشتيت شمل أهله، والتسبب فيما كاد يمزق أوطان الشعوب العربية إرباً.
إنما، قبل «أم معارك» صدام حسين، وما وقع بفعلها من تمزق مفجع في نسيج التضامن العربي، كان السبق في تصارع المواقف العربية يدور دائماً حول اختلاف مناهج التعامل مع «قضية العرب الأولى». نعم، وقع توافق في المواقف من خلال بيانات القمم العربية، ونعم حصل نوع من التلاقي بين الحكومات العربية، حين صدرت عن أكثر من قمة مبادرات تقترح خطة سلام عربية، تقوم على أساس ضمان حقوق الفلسطينيين، وإرساء أسس السلام العادل مع العرب أجمعين؛ غير أن تلك الخطط ظلت تراوح في مكانها، عاجزة عن تحقيق أي تقدم، لسبب شديد الوضوح، هو استمراء إسرائيل سياسات شطط العناد المتعجرف، ثم بفعل غياب التوافق العربي بشأن كيفية الرد على صلف ساسة تل أبيب.
من نكبة فلسطين، إلى ما تبعها من نكبات عربية، ظل شبح صراع المواقف العربية يلقي بالظلال على إمكانية أن تؤدي جامعة الدول العربية الدور الفاعل في لمّ الشمل العربي. لكن ذلك لم يحُل دون محاولات جادة بادر إلى اتخاذها الأمناء العامون للجامعة، عبر سنواتها السبع والسبعين، منذ إعلان تأسيسها في مثل يوم أمس من عام 1945.
يمكن الرجوع إلى وثائق وملفات أرشيف الجامعة، للوقوف على أكثر من موقف جريء أقدم على اتخاذه الأمين العام للجامعة في أحداث عدة. ليس من المناسب -وفق تقديري- ذكر أسماء بعينها هنا، ولا الإسهاب في الحديث عن ظروف اتخاذ تلك المواقف غير العادية، إنما بوسع كل دارس وباحث أن ينقب بين أوراق مؤسسات ومراكز أبحاث عربية، ودولية، وليس الجامعة وحدها، كي يقف بنفسه على خلفيات مواقف حرجة واجهها عدد من الأمناء العامين لجامعة الدول العربية، وتعرضوا بسببها لكثير من النقد اللاذع، وربما التجني.
كم هو مؤلم، حقاً، أن أكثر من قلم عربي جُرِّد من غمده، كما السيف، في غير مناسبة، كي يُشهر في توجيه النقد إلى جامعة الدول العربية، ثم طفق بتجرد تام من كل إنصاف موضوعي، يطلق السهام فيحمّل الجامعة ذاتها أوزار كل ما جرى للعالم العربي من ويلات، خلال سبعة عقود، سواء تلك الآتية من وراء البحار والمحيطات، أو التي جرت بأيدٍ عربية أباً عن جد. هكذا نقد ليس مجرد تجنٍّ؛ بل هو اجتراء على الحق والحقيقة.
يعرف الداني من موقع اتخاذ القرار الرسمي، كما القاصي، أن وضع جامعة الدول العربية هو انعكاس لأوضاع عالمها العربي. فأين العجب إذا تجلى العجز عن أداء دورها بالمستوى الممتاز المأمول، كما تسطع شمس الصحراء في منتصف النهار؟ ليس من عجب.
يبقى القول إن جامعة الدول العربية، رغم كل الإحباطات، تظل ضرورة لجمع العرب، ولو ضمن الحد الأدنى، ويستحق العاملون فيها، بكل مستوياتهم، التحية والشد على أياديهم، ليس في ذكرى ميلادها فحسب؛ بل في كل وقت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجامعة ضرورة عربية الجامعة ضرورة عربية



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib