زلزال 5 يونيو هناك كثير يُقال

زلزال 5 يونيو... هناك كثير يُقال

المغرب اليوم -

زلزال 5 يونيو هناك كثير يُقال

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

بدءاً، الأمانة توجب القول إن صيغة عنوان المقال ليست من عندي كُلياً، بل هي مستوحاة من كاتب صحافي كبير وضع عنواناً هو التالي: «يا يوم الخامس من يونيو... ليس هناك ما يُقال»، وجعله على رأس عامود في الصفحة الأولى من جريدته، التي كان مدير تحريرها، فيما ترك المساحة تحت العنوان بيضاء تماماً. حصل ذلك نهار الأربعاء الموافق للخامس من يونيو (حزيران) 1968، يوم مرور أول سنة على الكارثة. أما الجريدة فتحمل اسم «الحقيقة»، وهي آنذاك إحدى أهم الصحف اليومية في ليبيا الملك محمد إدريس السنوسي، والأوسع انتشاراً بينها، وأما واضع عنوان المساحة البيضاء، فهو رشاد بشير الهوني، الكاتب الليبي، والصحافي صاحب الرؤى التي كانت تستشرف المستقبل، وتتطلع إلى الغد الأفضل، ليس صحافياً فحسب، وإنما في الحقول كلها، الذي غادرنا فجأة قبل ثلاثين عاماً (2/10/1993) بينما هو شاب لم يشِب الرأس منه كثيراً، بعد، ولم يتجاوز السادسة والخمسين، وكان في عز الحماسة لأكثر من مشروع إبداعي جديد.

يا للمفارقة؛ أكتب مساء أول من أمس (الاثنين) في الذكرى السادسة والخمسين لاندلاع حرب انفجر بركانها فجر يوم اثنين أيضاً من عام 1967، فأستحضر الراحل عن 56 عاماً، ليس بقصد الحديث عن الرجل ذاته، وإنما الغرض تأثير حدث خطير، على جيله، وبالطبع جيلي، بشكل عام. بَيد أن الأصح هو القول إنه كان الحدث الأخطر عند تناول أهم أحداث قرن مضى شهدتها الأرض العربية، بدءاً بما يُسمى «الثورة العربية الكبرى»، كما توثق سجلات تاريخ المنطقة، مروراً بضياع ثلثي أرض فلسطين، وقيام إسرائيل فوقها، وصولاً إلى احتلال ما بقي منها تحت حكم عربي، حتى وقوع حرب الستة أيام، إضافة لاحتلال مرتفعات الجولان السورية. مع عرض هذا التسلسل الموجز، الموصل إلى الكارثة، سوف يتجلى أول قفز عن الحقائق بشأن ما تضمن ذلك العنوان الصارخ بغضب: «يا يوم الخامس من يونيو... ليس هناك ما يُقال». الحق أن الذي حصل ذلك اليوم، كان يوجب أن يُقال الكثير مما لم يُقل من قبل، وأدى، بالتالي، إلى وقوع كارثة بدأت بفضيحة انقضاض طائرات إسرائيل على مطارات مصر العسكرية، التي يُفترض أنها سرية، حيث كانت تربض طائرات سلاح الطيران، فتدمرها جاثمة على أرضها. واضح، أن ضربة إسرائيل القاضية تلك لم تكن مجرد صدفة. فكيف، إذن، ليس هناك ما يُقال.

مع ذلك، من المهم تذكر أن صيحة ذلك العنوان كانت تعبّر عن مرارة وألم اختلطا معاً، فوُلِد من رحمهما إحساسُ غضب اعترى المواطن العربي كإنسان يرى بالعينين هول الكارثة، ويسمع حد الصمم، صدى ارتداداتها، فأصيب بما يجوز القول إنه القرف من كل شيء أوصل إليها، وأجاز للنفس الاكتفاء بصمت أطبق على الحواس كلها. عشية الذكرى، مساء الأحد الماضي، جمع عشاء في بيت صديق مضياف، أتجنبُ ذكر اسمه لأنني لم أستأذنه، يجتمع عنده بين وقت وآخر، عدد من الأصدقاء من شرائح أعمار تختلف أجيالها، وديار من مشارق الأرض ومغاربها، وتوجهات أفكار تتباين آفاقها، فأتى النقاش على جوانب عدة مما نعيش في زمن تطور تقني متلاحق يركض بسرعة يصعب على مختلف الناس أن تواكبها، ثم على نحو غير مفاجئ إطلاقاً، بل بدا طبيعياً، جرى ذكر كُتّاب ومفكرين وشعراء عرب رحلوا قبل بضع سنين، بعدما تركوا وراءهم إسهامات جداً مهمة، وفي الآن نفسه مثيرة لكثير جدل، خصوصاً ما يتعلق منها بقضايا الهوية والانتماء والعلاقة مع الآخر.

خلال تبادل وجهات النظر حول مائدة ذلك العشاء، اختلفت الآراء بشأن تقييم مواقف وإسهامات وآراء تلك القامات العربية، تحديداً فيما يتعلق بالموقف من هزيمة 1967. في مداخلة لي، قلت ما خلاصته إن وقع الكارثة كان شديداً، سواء بين النُخب، أو عموم الناس. البعض لم يستطع تقبّل الذي حصل من منطلق أنه مرحلة، وأن ما احتُل من أرض سوف يُسترجع ذات يوم، ومن ثم مضى بعضهم أبعد في رفض الهزيمة إلى حد الغضب على الذات العربية، وفي حالات محددة إلى درجة احتقارها، بل وكرهها. تلك حالة ليست صحية، بأي حال، وهي لم تزل قائمة، بل لعل استمرارها يؤكد أن في تركة خامسَ حزيران 1967 هناك كثير يجب أن يُقال.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زلزال 5 يونيو هناك كثير يُقال زلزال 5 يونيو هناك كثير يُقال



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 18:42 2025 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

ابل تطلق iOS 18.3 و iPadOS 18.3 مع تحسينات لـ Apple Intelligence

GMT 16:50 2025 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

نهضة بركان يطرح تذاكر مباراة الجيش

GMT 18:37 2025 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

ميزات جديدة في تحديث تليغرام لعام 2025

GMT 03:46 2025 الأربعاء ,29 كانون الثاني / يناير

المغربي أشرف حكيمي يقود سان جيرمان بدوري أبطال أوروبا

GMT 05:50 2019 الأربعاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على ديكور منزل جورج كلوني الذي يبلغ ثمنه 12 مليون دولار

GMT 10:26 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 3.5 درجات يضرب ولاية بسكرة الجزائرية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib