بقلم - عماد الدين حسين
أحد الأصدقاء حكى لى هذه الحكاية التى تكشف إلى حد ما بعض سمات سوق العمل والتوظيف، وهى حكاية تدعونا إلى التفكير فى ضرورة البحث عن طرق فاعلة للتغلب على العقبات التى تمنع تأهيل الملتحقين بسوق العمل.
الصديق يتصل به العديد من أقاربه ومعارفه للبحث عن وظائف لهم بحكم أن لديه بعض العلاقات مع أصحاب أعمال مختلفة، وهو يحاول أن يساعد أقاربه بقدر المستطاع. وبالفعل اتصل بثلاثة من أصحاب الأعمال فى القطاع الخاص، راجيا منهم المساعدة فى توظيف ثلاثة من الأقارب إذا كان ذلك متاحا وبما لا يخالف القانون.
صاحب العمل الأول وافق على المناشدة ووفر عملا للقريب الأول، الحاصل على ليساس كلية نظرية، ذهب الشاب للعمل وقالوا له سوف نختبرك لمدة شهر، والكرة فى ملعبك، إما أن تجيد العمل، أو لن يكون لك مكان بيننا. الشاب بذل كل ما يملكه من جهد، لكن فى النهاية فإن الدراسة التى درسها لمدة ٤ سنوات، لم تسعفه ولم تكسبه المهارات اللازمة للاستمرار فى العمل.
أغلب القطاع الخاص لا يعرف الدلع والاستهتار والتكدس والزحام وغياب قواعد المحاسبة الموجود فى بعض الوحدات الحكومية وليس كلها، وهذا المكان أعطى للشاب مهلة إضافية أخرى، لكنه لم يتقدم فى التأهيل، وفى النهاية استغنوا عنه، لعدم قدرته على التكيف مع العمل.
الشاب الثانى كان حاصلا على بكالوريوس، ولكنه كلية نظرية أيضا. طبيعة العمل خلال شهر التدريب كانت تتطلب الحضور من التاسعة صباحا إلى التاسعة ليلا، إضافة لشروط كثيرة أهمها الصبر وحسن معاملة الناس، والمرتب المبدئى هو ١٨٠٠. هو لم يستطع أيضا التوافق مع ظروف ومتطلبات العمل التى يراها صعبة وقاسية، ويقول أيضا إن الراتب الشهرى قليل جدا مقارنة بما يبذله من جهد وأعصاب مشدودة طوال الوقت بل قد لا يكفى قيمة المواصلات من قريته للمحافظة وساندوتشين فول وطعمية يوميا!!.
الشاب الثالث التحق بوظيفة تتطلب تحقيق قدر من الاستهداف بمعنى أن تقنع الزبائن ببيع منتجاتها، أو بالحصول على قروض من الشركة التى تعمل بها، راتبه الأساسى كان نحو ٣ آلاف جنيه، ونسبة أخرى قد تصل لمثل هذا الرقم وأكثر، إذا تمكن من تحقيق نسبة مبيعات كبيرة. لكن فى المقابل فإن هذا العمل يتطلب تفرغا كاملا معظم اليوم، ويفضل أن يكون لديه سيارة، لأنه يحتاج للسفر بين المدن والمحافظات المختلفة. تحمس الشاب فى بداية العمل، لكنه لم يكمل شهرين وقال لأهله إن العمل قاسٍ جدا رغم أن العائد المادى يعتبر مرضيا مقارنة ببعض الأعمال الأخرى الكثيرة.
اسمتعت باهتمام إلى الحكايات الثلاثة التى أراها موحية جدا، وتتطلب منا أن نتأمل فى الدروس الكثيرة التى تكشفها.
أولا: إن عددا كبيرا من العاطلين عن العمل ليسوا مؤهلين، بل ليس لديهم أى مهارات بالمرة لأن دراستهم كانت نظرية جدا، أو لا توجد فرص فى سوق العمل تناسبها بالمرة.
ثانيا: إن بعض أبناء هذا الجيل ليس لديه الصبر على العمل.
ثالثا: إن بعضهم يريد عملا جاهزا على مزاجه ومقاسه، رغم أنه لا يملك الإمكانيات أو التأهيل أو التدريب.
رابعا: إن هذا البعض يفضل أن يجلس فى البيت أو على المقاهى، فى حين يمكنه العمل فى بعض الأعمال حتى لو كانت صعبة وقليلة العائد إذا حصل على دورات تدريبية.
خامسا: إن قيمة المسئولية تراجعت إلى حد كبير فى المجتمع بين بعض الشباب، خصوصا إذا كانت هناك أسرة تنفق عليه وتساعده.
سادسا: إننا ندفع كمجتمع الآن ثمنا قاسيا لنوعية التعليم التى تراجعت بقوة فى العقود الماضية وبالتالى فإن السؤال الأساسى هو: كيف يمكن أن نخرج من هذه المعضلة؟!.
والحديث موصول سواء ضرورة تشجيع القطاع الخاص المنتج، أو إعادة تأهيل غالبية العمالة، وأن يكون التعليم مطابقا لما تحتاجه سوق العمل.