بقلم : عماد الدين حسين
العديد من وسائل الإعلام الدولية والإقليمية والعربية انشغلت بحديث الرموز والإشارات خلال زيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن للمنطقة والتى شملت إسرائيل والضفة الغربية والسعودية، وكان الانشغال الأكبر بطبيعة الحال بالطريقة التى سوف يتصرف بها بايدن خلال لقائه مع ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان.
نتذكر أن البيت الأبيض ظل لفترة ينكر أن جولة جون بايدن لن تشمل السعودية. بل إسرائيل والضفة الغربية فقط، وفى اليوم الذى تم فيه الإعلان عن أن الزيارة ستشمل السعودية، قامت الإدارة الأمريكية بإطلاق اسم الكاتب الصحفى السعودى جمال خاشقجى على الشارع الذى تقع فيه السفارة السعودية فى واشنطن. بعض السذج انشغلوا بهذا الإجراء واعتبروه موقفا متشددا من قبل البيت الأبيض، فى حين ذكرهم البعض الآخر أن بايدن أطلق الاسم على الشارع، لكنه سيذهب لمقابلة الرجل الذى اتهمه بايدن ذات يوم بقتل خاشقجي!.
فى مرحلة تالية قال البيت الأبيض إن بايدن لن يلتقى الأمير بن سلمان خلال زيارته السعودية بل والده الملك فقط، ثم وبعدها كشفوا عن الحقيقة بالتدريج وهى أنه سوف يلتقيه، ولكن فى إطار جماعى مع الملك سلمان.
وحينما تأكدت وسائل الإعلام أن بايدن سيلتقى ولى العهد جرى إشغال هذه الوسائل بأنه لن يكون هناك اتصال جسدى بين بايدن وبن سلمان وسيتم السلام بقبضة اليد فقط، وتبرير ذلك هو ارتفاع عدد حالات كوفيد ــ١٩ والهدف هو حرمان وسائل الإعلام من الحصول على صورة سلام حار بالأيدى بين بايدن وبن سلمان يجرى استخدامها ضد بايدن لاحقا ومن شأنها أن تضرب كل ما تعهد به بعدم مقابلة بن سلمان، بل وجعل بلاده منبوذة!
انشغل الإعلام أيضا بأن من استقبل بايدن فى مطار جدة هو أمير منطقة مكة، وليس الملك سلمان أو ولى عهده محمد الذى كان فى استقبال قادة دول مجلس التعاون ومصر والعراق والأردن فى المطار.
الذين انشغلوا بهذا الموضوع نسوا حقيقة مهمة وهى أن ضيوف أمريكا يتم استقبالهم رسميا فى البيت الأبيض وليس لدى وصولهم إلى المطارات الأمريكية، فى حين أن القادة العرب يستقبلون الملك سلمان أو ولى عهده فى المطار، وهو ما فعله معهم بالمثل محمد بن سلمان. لكن البعض يحاجج ويقول إن القادة السعوديين كانوا يستقبلون كل الرؤساء الأمريكيين في المطار لدى زيارتهم السعودية، حتى وهم يدركون أن الرؤساء الأمريكيين لا يعاملونهم بالمثل لدى زيارتهم الولايات المتحدة.
المهم أن بايدن زار جدة وحضر القمة العربية الأمريكية، والتقى مع محمد بن سلمان فى لقاء منفرد. وفى تقرير مراسلة الجارديان البريطانية فى القدس بيثان ماكيرنان، فإن «النفط تغلب على حقوق الانسان» وأن بايدن اضطر إلى تقديم تنازلات فى الشرق الأوسط، وأن صورته وهو يصافح بن سلمان بقبضتيهما بدت أكثر استرخاء وألفة مما كان يقصده بايدن من عدم السلام بالأيدى.
المراسلة البريطانية نقلت عن مسئول سعودى أن زيارة بايدن لإسرائيل وللضفة وبقية تفاصيل الرحلة كانت مجرد حشو للسبب الحقيقى لمجىء بايدن وهو اللقاء المنفرد مع محمد بن سلمان.
قد تكون مراسلة الجارديان مخطئة فى تقديرها وقد تكون محقة لأن ما قاله بايدن بأنه صدق محمد بن سلمان حينما سأله عن حادثة مقتل خاشقجى وأن الأخير قال له إنه لم يكن يعلم شخصيا بها. اللقاء برمته انتقدته بشدة خطيبة خاشقجى التركية خديجة جنكيز.
هذه الرواية تنسف إلى حد كبير معظم ما قاله بايدن وأركان إدارته عن هذه القضية. وتجعل ترامب أكثر واقعية، حينما رفض مقاطعة السعودية اقتصاديا بعد الحادث معللا ذلك بأن الصين وروسيا هما اللتان سوف يستفيدان من ذلك.
الخلاصة أن بايدن جاهد كثيرا ألا تبدو رحلته للمنطقة وللمملكة مخصصة للقاء بن سلمان، وأغلب الظن أنه لم ينجح فى ذلك، لأن الجميع كان يعرف الهدف الأساسى من الرحلة وهى إقناع محمد بن سلمان بضخ المزيد من البترول فى الأسواق العالمية حتى لا يدفع حزب بايدن الديمقراطى الثمن فى انتخابات الكونجرس النصفية فى نوفمبر المقبل.
قد يرى البعض أن الإشارات والرموز تظل مجرد أمور هامشية، لكن ومع وسائل التواصل الاجتماعى المتنوعة فإنها لم تعد كذلك، بل صارت هى الموضوع الرئيسى لجماهير الترسو بل وأحيانا لبعض جماهير النخبة.