بقلم - عماد الدين حسين
هل صحيح أن هناك تغيرا عمليا فى الموقف الأمريكى المنحاز للعدوان الإسرائيلى الوحشى ضد قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضى، وحتى هذه اللحظة؟!
هناك إجابتان مختلفتان عن هذا السؤال:
الإجابة الأولى هى وجود تغير فى الموقف الأمريكى، وأنه بدأ يضغط على إسرائيل فى الغرف المغلقة وأحيانا العلنية للتهدئة ورفض التهجير القسرى، بل والدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
والإجابة الثانية هى أنه لا توجد أى مؤشرات أو شواهد أو دلائل أو حتى إرهاصات على وجود أى تغير أمريكى، والدليل الدامغ على ذلك هو إعلان البيت الأبيض رسميا مساء يوم الأربعاء الماضى أنه يرفض وقف إطلاق النار لأن ذلك سيكون فى صالح حركة حماس وضد المصالح الإسرائيلية.
أنصار الفريق الأول يقولون إن السياسة لا تعرف الأبيض والأسود، وإن موقف الولايات المتحدة بدأ يتغير إلى حد ما، مقارنة بالموقف فى الأسابيع الأولى من العدوان الإسرائيلى.
هم يستشهدون بأن الرئيس الأمريكى جو بايدن جاء إلى إسرائيل فى الأيام الأولى للحرب ضد حركات المقاومة وأعلن دعم بلاده المفتوح لإسرائيل، وأرسل لها حاملات الطائرات والسفن النووية وكل ما تحتاج إليه من أسلحة فتاكة، وهى التى مكنت إسرائيل من تدمير غزة، ووفر لها سلاح «الفيتو» لمنع مجلس الأمن الدولى ثلاث مرات من إصدار أى قرار لوقف إطلاق النار، وهو الذى فتح لها الخزائن لتحصل على ما تشاء من أموال وأسلحة، حتى بعيدا عن رقابة الكونجرس طبقا للقواعد والقوانين رغم أن غالبية الكونجرس تؤيد العدوان. وأن وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن ــ الذى تفاخر بأنه جاء لإسرائيل باعتباره يهوديا قبل أن يكون وزيرا لبلاده ــ عمل وزيرا فعليا لخارجية إسرائيل أكثر من يوسى كوهين!
هذا الفريق يقول إن هذا الانحياز السافر بدأ يتغير، وأن الرئيس الأمريكى قال مؤخرا للمرة الأولى منذ ٧ أكتوبر، إنه يتفهم الأصوات الداعية لوقف إطلاق النار. وإنه طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أن يتخلص من الوزراء المتطرفين فى حكومته، وأن يدخل المزيد من المساعدات، ويقلل من استهداف المدنيين.
هم يقولون أيضا إن التغير الأهم فى موقف واشنطن هو أن الرئيس بايدن كرر أكثر من مرة رفض بلاده لمخططات التهجير القسرى أو الطوعى للفلسطينيين من قطاع غزة، ورفض إقامة مناطق عازلة فيها وضرورة التواصل بين الضفة وغزة، وأن يكون ختام كل ذلك هو إقامة دولة فلسطينية فى الضفة وغزة فى نهاية المطاف تقودها «سلطة فلسطينية مجددة ونشطة».
لكن الفريق الثانى يرى أن كل ما يسوقه الفريق الأول حتى لو كان صحيحا فهى كلمات وتصريحات تكتيكية تحذيرية لإلهاء العرب والمسلمين والرأى العام لديها وفى العالم، لكن جوهر موقف واشنطن ثابت ولم يتغير.
يقول الفريق الثانى إن الحكم على الأشياء يكون مما يحدث على الواقع، وليس ما يقال فى تصريحات منمقة، يتم استخدامها أقرب ما يكون إلى التخدير والإلهاء. يضيف هذا الفريق أننا لا نستطيع القول بأن الموقف الأمريكى قد تغير إلا حينما يتوقف الجسر الجوى المفتوح من الأسلحة لإسرائيل، وحينما تتوقف واشنطن عن استخدام الفيتو لحماية العدوان الإسرائيلى، وحينما تضغط عليها لوقف المجازر، وحينما تدرك أنه لولا دعمها ما تم تدمير قطاع غزة بهذا الشكل البربرى.
السؤال: أى الرأيين هو الصحيح؟!
شخصيا، أنا أميل كثيرا إلى رأى الفريق الثانى، لكن مع بعض التحفظات أهمها أنه فى العمل السياسى لا ينبغى أن نعمل بنظرية الأبيض والأسود بل بالنظر إلى كل الألوان بكل تدرجاتها، وبالتالى فمن المهم الاستمرار فى استخدام كل الأوراق للتأثير فى الموقف الأمريكى لكى يصبح موضوعيا وإنسانيا، مادام العرب أنفسهم متفرقين ومنقسمين، وغير قادرين على دعم الشعب الفلسطينى مثلما تدعم الولايات المتحدة إسرائيل.