بقلم - عماد الدين حسين
الإجابة مرة ثانية هى نعم بكل تأكيد.
أطرح هذه الأسئلة لأننى أتلقى العديد من الأسئلة من كثيرين ينتقدون توسع وسائل إعلام مصرية فى نشر كل أخبار الأزمات الاقتصادية فى الخارج، لأنها من وجهة نظرهم تحاول الإيحاء للقارئ أو المشاهد بأن الأزمة الاقتصادية موجودة فى كل مكان وليس فى مصر فقط.
وردى الدائم على مثل هذه النوعية من الأسئلة أن من حق الصحف أن تنشر ما تشاء من أخبار طالما أنها صحيحة. ثم إن الأزمة الاقتصادية موجودة فى العديد من بلدان العالم بالفعل، بما فيها دول كبرى ومتقدمة مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
لا أحد ينكر وجود أزمة اقتصادية عالمية، ومديرة صندوق النقد الدولى تحدثت بوضوح قبل أسابيع قائلة إن العالم مقبل على سنة جديدة ستكون أصعب من السنة التى انقضت. والسبب الجوهرى من وجهة نظرها أن المحركات الثلاثة الكبرى للاقتصاد العالمى وهى الصين والاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة تواجه صعوبات كبرى خصوصا فى التضخم وتراجع معدلات النمو، بما ينبئ بركود تضخمى طويل الأمد. فإذا كان ذلك حال الاقتصادات الكبرى فما بالكم باقتصادات الدول النامية؟
من حق هذه الصحف أن تنشر تفاصيل الأزمة العالمية لتقول للمواطنين أنهم ليسوا بمفردهم فى مصر من تضرر من هذه الأزمة.
لكن فى المقابل من حق الصحف الأخرى أن تنشر كيف تعاملت الحكومات المختلفة مع هذه الأزمة، وهل سارعت إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وصحيحة للتقليل من حدة الأزمة أم لا، وإلى أى مدى تضرر الاقتصاد والأحوال المعيشية للمواطنين؟ ومن حق هذه الصحف أيضا أن تنتقد أداء الحكومة المصرية فى التعامل مع هذه الأزمة، إذا كان ذلك صحيحا.
لكن دعونا نتفق على بعض المبادئ الأساسية وهى أن الأساسى فى الأمر هو تطبيق القواعد المهنية فى النشر سواء كان مؤيدا للحكومة أو منتقدا لها.
وأول القواعد أن تكون الأخبار المنشورة صحيحة وأن تكون تناسبية، بمعنى أنه حينما تحدث أزمة فى بعض السلع فى ألمانيا أو بريطانيا أو فرنسا. فينبغى على من ينشر أن يكون أمينا ويكشف للقراء والمشاهدين حجم هذه الأزمة بالنسبة للاقتصاد الكلى، فقد تختفى سلعة من أسواق هذه الدول، لكن اقتصادها لا يزال قويا، ونسب النمو فيها معقولة، وحجم صادراتها كبير ووارداتها قليلة وكذلك ديونها. وبالتالى لا يمكن أن نقارن هذه الأزمة بأخرى تحدث فى دولة نامية مثل السودان وتونس ولبنان وموريتانيا لديها مشاكل ضخمة فى كل مؤشراتها الاقتصادية الكلية.
القاعدة الثانية هى الموضوعية، بمعنى أنه إذا كان من حق البعض أن ينتقد بعض وسائل الإعلام لتركيزها فقط على الأخبار السلبية الخارجية. فنفس الخطأ يقع فيه من ينتقدون هذه الوسائل.
فلا يعقل بالمرة أن يكون منتقدو الحكومة لا يرون الأزمة إلا فى مصر. من حقهم أن يختلفوا مع معالجة الحكومة للأزمة، لكن ليس من حقهم أن يروا الصورة فقط من الزاوية المصرية لأن هناك أسبابا خارجية واضحة جدا للأزمة، خصوصا بعد تداعيات كورونا وأوكرانيا.
لكن المشكلة أنه فى أوقات الأزمات تختفى الموضوعية تماما، وتكثر الإشاعات والأخبار المضروبة والمشوهة والمجتزئة، وكل طرف سواء كان حكومة أو معارضة يحاول أن يتبرأ من دوره فى وجود الأزمة ويحاول أن يلقى بها على الآخرين أو الظروف.
مرة أخرى القضية تتعلق أساسا بتطبيق المعايير المهنية، ولو حدث ذلك فلن تكون هناك مشكلة. وألف باء هذه المعايير أن يكون هناك تنوع فى المحتوى وآراء وأفكار مختلفة، شرط أن تكون موضوعية ودقيقة.
إذا حدث ذلك فسوف تكون كل الأخبار والآراء والأفكار موجودة ومطروحة، ووقتها لن يكون هناك مشكلة لأن الصورة الكاملة داخليا وخارجيا ستكون موجودة ومتاحة أمام الجميع، وبالتالى سوف يستطيع المواطنون الحكم الصحيح على كل الأمور.