حرية تحرر والماذاعنية

حرية... تحرر... والماذاعنية!

المغرب اليوم -

حرية تحرر والماذاعنية

حسين شبكشي
حسين شبكشي

لا تزال تبعات المشاهد الصادمة للاعتداءات الهمجية التي قام بها أنصار الرئيس الأميركي الذي شارفت ولايته على الانتهاء دونالد ترمب، على مباني الكونغرس في العاصمة واشنطن، لا تزال مستمرة، ويجري تحليلها ومحاولة فهم ما حدث واستيعابه.

الكثيرون من المهتمين بالشأن السياسي الأميركي يعتبرون ما حصل مكالمة إيقاظ عنيفة وقاسية في الوقت نفسه. هناك جدل قديم جديد عن الاختيار القيمي في النهج الذي يجب أن تسير عليه الأمة (في أميركا)؛ فهناك من يرى بضرورة أن تبقى حامية للحرية (Freedom) بمعناها العريض والشمولي، وهناك فريق آخر يرى أن أميركا هي أرض التحرر (Liberty) بمعناها الكبير وغير المحدد. وهناك فرق دقيق ولكنه يبقى مهماً بين المعنيين، فالحرية تبقى دائماً تحت سقف «أخلاقي» (وعادة ما يكون مستمداً من تعاليم وتفاسير دينية)، أما التحرر فلا سقف له إلا ما يتم الاتفاق عليه تحت قبة القانون. ولذلك يجد المتابعون لمسألة حظر حسابات بعض الشخصيات العامة مقابل القانون الدستوري الذي يحمي حرية التعبير والرأي تجسيداً عملياً للتصادم الفعلي بين المفهومين، علماً بأن هذه المواجهة لن تكون الأخيرة في عالم يتغير ويتجدد بسرعة واستمرار. فالكاتب الاقتصادي الكبير جيفري ساكس، والبروفسور في جامعة كولومبيا الأميركية العريقة له كتاب جديد في غاية الأهمية بعنوان «أزمنة العولمة: الجغرافيا والتقنية والمؤسسات» يناقش ويبحث بين صفحاته الثرية كيف سيزداد تأثير التقنية، وموقع الحدث وقوة المؤسسات المتأثرة على التغييرات والتحولات السياسية والاقتصادية، ويرى أن أثر استخدام الخيل والآلة الصناعية ذات يوم على الاقتصادات العالمية وأثر ملكيات الأراضي الشاسعة التي جاءت نتيجة التوسع الاستعماري، وأحدثت انقلاباً اقتصادياً عظيماً... كل ذلك سيقزم بالمقارنة مع التغييرات الهائلة التي ستحدثها منظومات التقنية الحديثة حول العالم في موجاتها القادمة متى ما بلغت مرحلة النضج والذروة، بحيث تتحول الشركات المسيطرة إلى قوى متوغلة وخارج نطاق السيطرة. وهذا قد يحدث تغييراً جذرياً في هيكلة اقتصاد السوق الرأسمالي الليبرالي، عماد الفكر الاقتصادي الغربي، المبني على منع الاحتكار وحق المنافسة العادلة المحمية بالقوانين والتشريعات والأنظمة السوية.

هذا التحدي الكبير هو الذي جعل الكاتب برانكو ميلانوفيتش، وهو البروفسور في جامعة نيويورك الأميركية، يصدر كتاباً مهماً في موضوعه، واختار له عنواناً لافتاً وبالغ الدلالة: «الرأسمالية وحيدة: مستقبل النظام الذي يحكم العالم»، ويثير فيه التحديات التي تواجه النظام الاقتصادي الأهم مثل ضرورة مشاركة القسم الجنوبي من العالم في منظومة العالم، وفتح أبواب الهجرة بشكل مقنن، لأن الشمال بحاجة لذلك وكذلك الجنوب... هذه الاقتراحات التي يقدمها المؤلف كحلول لأزمة الرأسمالية اليوم رغم كونها قد تكون مثيرة للجدل، إلا أنها تبقى حلولاً تتعامل مع مشاكل تم كنسها تحت السجادة والهروب من مواجهتها، بل وحتى إنكارها لفترات ليست بالقصيرة. ولكن هناك تياراً يخشى هذه النوعية من الحلول؛ الحلول التي فيها تعاون مع الآخر والاشتراك في المصالح والمعالجات بحجة الحمائية والوطنية والأمن القومي، وهذا تماماً ما حذرت منه وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، في كتابها الأخير بالغ الأهمية: «الفاشية: تحذير»، الذي وجهت فيه تحذيراً شديد اللهجة لدول المعسكر الغربي من خطورة عودة الفاشية تحت شعارات مضللة، مستعيدة ما حدث قديماً في القارة الأوروبية العجوز، وتسبب في اشتعال شرارة حربين عالميتين متتاليتين.

أهمية النقاش الحاصل في دوائر صناعة القرار الغربي أنه سيكون له الأثر العظيم على العالم بأشكال مختلفة ومتنوعة. وهذه حقيقة مهمة مهما حاول الكثيرون من أصحاب فكرة «الماذاعنية»، وهي التي يطلق عليها في الأروقة الأكاديمية الغربية «Whataboutism»، وهي شرح للحالة التي تتكون عندما تناقش أحداً معيناً في موضوع محدد، فيبادرك بالسؤال وقوله: «وماذا عن كذا؟»، وهو نوع جديد من أساليب تغيير الموضوع والهروب منه. أسئلة مهمة فتحت في الوجدان السياسي الغربي، وستخضع لإجابات مؤسساتية وتشريعية ودستورية.
قيل قديماً في الأثر أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية. هذه المقولة تواجه تحدياً وجودياً في الغرب في هذه اللحظات.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرية تحرر والماذاعنية حرية تحرر والماذاعنية



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:34 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"
المغرب اليوم -

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib