الحوثي في تل أبيب

الحوثي في تل أبيب

المغرب اليوم -

الحوثي في تل أبيب

نديم قطيش
بقلم - نديم قطيش

تتجاوز الضربة الأخيرة بالطائرة المسيّرة على تل أبيب، التي أعلنت ميليشيا الحوثي في اليمن مسؤوليتها عنها، نتائجها المادية المباشرة. ولا يكفي تبرير وقوع هذه الضربة الأولى من نوعها التي تستهدف تل أبيب، بأنها نتيجة خطأ بشري في تقدير حجم الخطر، للتغاضي عن معانيها الاستراتيجية، حتى بعد الرد الإسرائيلي الضخم عليها.

فما حدث يكشف عن تصعيد كبير في قدرات الميليشيا المرعية من إيران ومستوى تهديداتها لأمن إسرائيل، كما لعموم الأمن الإقليمي. كما يكشف أيضاً عن نقاط ضعف استراتيجية في أنظمة الدفاع الجوي لدى الدول بعامة في مواجهة خطر المسيّرات، فيكفي خطأ واحد؛ بشري أو تقني، للتمهيد لكارثة متعددة المستويات.

والحال؛ مع تنامي التوترات الإقليمية، يحجز هذا الحدث لنفسه موقعاً متقدماً على جدول اهتمامات الحكومات، لناحية تحليل تداعياته الأوسع وما تمليه من حاجة إلى إعادة التقييم الاستراتيجي للمواجهة مع الحوثي ومن خلفه إيران.

أظهر الحوثيون زيادة كبيرة في قدراتهم العسكرية؛ إنْ كان لناحية حيازة طائرات مسيّرة متقدمة، أو لناحية خبراتهم في توظيفها لتنفيذ ضربات بعيدة المدى. ولئن ارتبط هذا النجاح بشكل وثيق بتنسيقهم مع إيران ومع الميليشيات المدعومة منها، فإن في ذلك ما يعطي إشارات مقلقة حيال ما قد تكون وصلت إليه ميليشيات أخرى مثل «حزب الله»، الأعلى تطوراً وكفاءة. ولو ربطنا ذلك باستراتيجية «وحدة الساحات» وتخيلنا إمكانية أن تشن، على إسرائيل أو أي دولة إقليمية أخرى، هجمات من جبهات متعددة، بمئات أو آلاف المسيّرات في وقت واحد، فإنه يتضح لنا حجم الخطر الناجم عن القفزة الكبيرة في قدرات شبكة ميليشيات إيران على مستوى تعزيز ترسانتهم وتوسعة مدى عملياتهم. إن هجمات من هذا النوع والحجم ليست أمراً نظرياً، في ظل حالة التصعيد المتسارعة في الشرق الأوسط.

وعليه؛ تمتد تداعيات ضربة الحوثيين الأخيرة إلى ما هو أبعد من المخاوف الأمنية الفورية، مشيرة إلى احتمال حدوث تحول في الديناميات الإقليمية، وتوازن القوى.

فالمسيّرة التي أصابت مبنى في تل أبيب، أصابت قبله الهيبة الأميركية في الشرق الأوسط وبددت المزيد من الثقة بها بين الحلفاء. يبرز الهجوم مجدداً إخفاقات استراتيجية إدارة الرئيس جو بايدن في البحر الأحمر، والنتائج المريعة لعملية «حارس الازدهار» لضمان حرية الملاحة. فلا حظيت واشنطن بثقة حلفائها الأوروبيين والشرق أوسطيين والآسيويين ليكونوا جزءاً من هذا المجهود، ولا استطاعت أن تكبح جماح إيران وجماعاتها. فقد أطلق الأوروبيون عمليتهم الأمنية الخاصة، وامتنعت دول الخليج عن المشاركة، في حين اختار الشركاء الرئيسيون، مثل الهند والصين، عدم الانضمام إلى المبادرة الأميركية. علاوة على ذلك، أعطى قرار إدارة بايدن رفع الحوثيين من قائمة الإرهاب، ثم إعادتهم بشكل منقوص ومتعثر إليها، إشارة ضعف واستسلام للميليشيات المدعومة من إيران، وأثار استياء الدول الخليجية المعنية وعزز شعورهم بتخلي الإدارة الأميركية عن التزاماتها حيالهم.

صحيح أن التهديد المزداد من الحوثيين قد يدفع بالدول الإقليمية كلها إلى تعزيز تحالفاتها لمواجهة التهديد المشترك، لكن الجانب الآخر يفيد أيضاً بأن اتقاء شر الحوثي وإيران قد يدفع بالدول إلى تجميد عمليات التطبيع والتكامل الإقليمي، ويؤدي إلى تجميد جهود السلام الشامل في ظل حاجة هذا السلام إلى ضمانات أميركية لا تبدو اليوم محل ثقة كبيرة.

المشهد التعاوني الإقليمي الذي برز غداة الهجوم الإيراني بالصواريخ على إسرائيل في أبريل (نيسان) الماضي قد يصير مهدداً إذا ما شعرت الحكومات في المنطقة بأن صيغ التعاون المباشر أو غير المباشر بينها وبين إسرائيل ستعرّض أمنها واستقرارها لمزيد من المخاطر في غياب حارس دولي موثوق، قادر على توفير الدعم الأمني والردع؛ الحيويَّيْن لاستمرار الشراكات والتعاون.

إلى ذلك، فإن تنامي الثقة لدى الحوثيين من شأنه أن يعقّد مسارات الحل السياسي وجهود السلام في اليمن، ويبقيه بؤرة ابتزاز للأمن والاقتصاد الإقليميَّين والدوليَّين. ولئن كانت إيران هي الداعم السياسي والعسكري والتقني واللوجيستي للحوثيين؛ فإن تصاعد نفوذها في المنطقة هو الحاصل الموضوعي للجاري الآن، بكل ما يعنيه ترسيخ نفوذ طهران في الشرق الأوسط من إعادة هيكلة لتوازنات القوة فيه.

تُذكر ضربة الحوثيين بالطائرة المسيّرة على تل أبيب بالطبيعة المعقدة للتهديدات المتصاعدة في المنطقة، وتبرز الحاجة الملحة إلى تغييرات استراتيجية في الجاهزية العسكرية وسياسات الدفاع، كما في التعامل السياسي الاستراتيجي مع إيران وأذرعها وفق حسابات دولية مختلفة.

فهل تحمل الانتخابات الأميركية المقبلة تغييراً سياسياً عبر وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض؛ بما يعنيه ذلك من إعادة تأسيس منظومة ردع في وجه إيران وميليشياتها وطيّ صفحة السذاجة الاستراتيجية التي ميزت إدارة بايدن؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحوثي في تل أبيب الحوثي في تل أبيب



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib