شكوى الغرب من إيران إذ تصف شكوانا منها

شكوى الغرب من إيران إذ تصف شكوانا منها

المغرب اليوم -

شكوى الغرب من إيران إذ تصف شكوانا منها

نديم قطيش
بقلم - نديم قطيش

هل صحا الغرب على حقيقة أن إيران مشكلة دولية وليست مشكلة إقليمية في الشرق الأوسط؟
لطالما قاد الفهم القاصر لحقيقة المشروع الإيراني إلى وضعه إما في سياق التنافس المذهبي السني - الشيعي، أو في سياق التنافس القومي العربي - الفارسي، مع التقليل الدائم من جدية الطبيعة الثورية لنظام ولاية الفقيه.
مؤدى ذلك، حصر المقاربة الدولية لإيران، بقيادة النخبة السياسية الأميركية، في معالجة الملف النووي الإيراني أولاً وقبل كل شيء. همّش الهاجس النووي أكثر الجوانب زعزعة من مشروع إيران، والمرتكزة على ميليشيات مذهبية، مسلحة بالمسيّرات والصواريخ، وفرق الاغتيال، تنشط دوماً على خط تفكيك العرى الوطنية، وتعميق الانقسامات المذهبية والإثنية في مداها الحيوي. كما أعاقت مبالغات التركيز على الملف النووي، فهم النيات الإيرانية التي تسعى، عبر محاولات الهيمنة على دول الجوار، أو إضعاف شرعيات الحكم فيها، لا إلى الهيمنة كهدف بحد ذاته، بل لاستيلاد شرق أوسط جديد تُفكك فيه بنية التحالفات مع الغرب.
لا ينحصر السلوك الإيراني المزعزع في الإقليم إلى إضعاف السعودية كسعودية، بل بما هي نظام سياسي ترى طهران أنه يقع في صلب الهندسة الاستراتيجية للنفوذ الأميركي، التي تسعى إيران إلى هدمها وتغييرها. وكذا الحال بالنسبة لكل حلفاء واشنطن، في الشرق الأوسط.
شكّل هذا القصور في فهم المشروع الإيراني ونياته وأهدافه، سبباً للتوترات في العلاقة بين واشنطن وحلفائها، ممن بُحت أصواتهم وهم يتحدثون عن الصواريخ والمسيّرات والميليشيات، كخطر موازٍ، ما لم يكن خطراً أكبر من الخطر النووي، الذي بدا في مراحل محددة، وكأنه العدسة الوحيدة التي من خلالها تنظر أميركا إلى المنطقة ومشكلاتها.
بيد أن ما بعد النزاع الروسي - الأوكراني ليس كما قبله، أو هكذا يُرجى. فها هو منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، يحذر من أن «إيران وروسيا تحاولان تعميق شراكتهما الدفاعية»، بما في ذلك تطوير منشأة إنتاج مشتركة في روسيا للطائرات الإيرانية من دون طيار.
وقد أقر كيربي في تصريحات إعلامية حديثة بأن التعاون الروسي - الإيراني «لا يتعلق فقط بإنتاج الطائرات من دون طيار، بل بأن هذه العلاقة لا تهدد شعب أوكرانيا فحسب، بل تهدد جميع شعوب الشرق الأوسط».
وفي تصريحات مماثلة قال رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، إن العلاقة بين طهران وموسكو التي كان لها «بالفعل تأثير على ساحة المعركة في أوكرانيا، يمكن أن يكون لها تأثير أكثر خطورة على الشرق الأوسط أيضاً إذا استمرت، وهو أمر نأخذه على محمل الجد». وفي أكتوبر (تشرين الأول) الفائت، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين، اطلعوا على معلومات استخبارية سرية، تأكيداتهم أن إيران أوفدت مستشارين عسكريين من تشكيلات «الحرس الثوري» تمركزوا في القرم، لمعاونة الروس على تشغيل المسيّرات الإيرانية.
ولا يقتصر القلق الغربي من تنامي الحلف العسكري الروسي - الإيراني على أميركا وحدها؛ إذ كشفت سفيرة بريطانيا لدى الأمم المتحدة، باربرا وودوارد، أن روسيا تخطط لتلقي المزيد من الأسلحة الإيرانية، بما في ذلك مئات الصواريخ الباليستية.
هذه هي الصواريخ والمسيّرات نفسها التي ضربت مدناً ومنشآت خليجية، عبر ميليشيات إيرانية متمركزة في اليمن والعراق، والتي بعدها قيل لقادة الدول المُعتدى عليها، إن عليها التحلي بضبط النفس، وإن الأولوية هي لمعالجة البرنامج النووي عبر إيجاد الاتفاق بين طهران ومجموعة «5 زائد 1»!
وهؤلاء هم أنفسهم المستشارون الذين يديرون مصالح إيران في «ساحات» لبنان والعراق وسوريا واليمن، ويقودون ميليشيات محلية لطالما تم تصنيفها غربياً بأنها «مكونات أهلية محلية»، وحُملت أنشطتها العسكرية على محمل «الاحتراب الأهلي الداخلي».
إذا كان من فرصة يمثلها تنامي التعاون العسكري الروسي - الإيراني، في ضوء أزمة أوكرانيا، فهي في إعادة تعريف النزاعات المندلعة في الشرق الأوسط، كما إعادة تعريف موقع الأدوات الإيرانية المنخرطة في هذه النزاعات. فلا أزمة اليمن هي أزمة إنسانية كما يقدمها بعض الغرب، ولا ميليشيات إيران في لبنان والعراق هي مكونات محلية يجب التعامل معها وفق قواعد الشراكة السياسية وقوانين تقاسم السلطة في مجتمعات تعددية.
في اليمن نحن أمام نزاع أخذته إيران إلى مستوى حرب إقليمية بالوكالة ضد واشنطن نفسها، لا ضد السعودية والخليج، وعبر تدخلات مطابقة لتدخلاتها في النزاع الروسي - الأوكراني. وفي لبنان والعراق وسوريا، نحن أمام سلوك إيراني مشابه يستثمر في الانقسامات الأهلية كمثل استثمار إيران في النزاع الروسي - الأوكراني، وتوظيف كل ذلك، في محاولة تغيير قواعد العلاقات والتوازنات الدولية كما أرستها واشنطن، بصرف النظر عن تضخم هذا الطموح، أو قصور الإمكانات الإيرانية لتحقيقه.
الشكوى الغربية من الدور الإيراني في النزاع الروسي - الأوكراني تصف شكوانا قبل أي شيء آخر. وهذه فرصة سياسية ودبلوماسية وإعلامية لأن تكون لنا، في الشرق الأوسط، سردية تربط هواجسنا مع الهواجس الغربية حيال إيران، لتظهير مشكلتنا معها بما هي في الواقع، لا بما يتم تخيّله عنها في دوائر الإعلام والسياسة والأكاديمية الغربية.
إيران تستهدف من تستهدفهم في محيطها لا بوصفهم عرباً ولا بوصفهم سُنة. أقلّه ليس هذا فحسب. سلوكها العدواني ينهض أولاً على فكرة آيديولوجية وطموح استراتيجي عنوانهما هدم شبكة التحالفات الغربية في الشرق الأوسط. وإذ يسأل قادة هذه الدول المستهدفة: أين واشنطن؟ فلا يسألون أن يحارب عنهم أحد، بل يسألون عن حليف، يُفترض أنهم يخوضون معه معركة واحدة، أو أنهم يخوضون معركة، فُرضت عليهم، بسبب تحالفهم معه أولاً وأخيراً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شكوى الغرب من إيران إذ تصف شكوانا منها شكوى الغرب من إيران إذ تصف شكوانا منها



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib