الحلقة المفقودة في مواجهة «كورونا» ومتحوراته

الحلقة المفقودة في مواجهة «كورونا» ومتحوراته

المغرب اليوم -

الحلقة المفقودة في مواجهة «كورونا» ومتحوراته

عثمان ميرغني
عثمان ميرغني

بينما يقف العالم على أعتاب سنة ثالثة من الحياة مع فيروس «كورونا»، فإن السؤال الذي يتردد في أذهان أكثر الناس، متى ينتهي هذا الكابوس؟ فكلما لاحت بارقة أمل في عودة الحياة إلى شيء من طبيعتها، عاد الفيروس بمتحور جديد أسرع انتشاراً، لتبدأ دورة جديدة من القيود والإجراءات.

سلالة أوميكرون الجديدة رصدت في 77 دولة والأرجح أنها منتشرة في معظم دول العالم، حسب منظمة الصحة العالمية. وعلى الرغم من أنها تسبب أعراضاً مرضية أقل حدة، إلا أنها تثير قلقاً جدياً لعدة أسباب، في مقدمتها أن قدرة المتحور على الانتشار السريع يعني تزايد الإصابات بشكل قد يؤدي إلى شل الأنظمة الصحية، وعرقلة حياة الناس وأنشطتهم، وتعويق حركة الاقتصاد العالمي الذي لم يتعافَ بعد من آثار الموجتين الأولى والثانية من «كورونا»، ناهيك عن الموجة الثالثة، بل والرابعة التي تعيشها كثير من الدول الآن. السبب الآخر أن الانتشار السريع لأوميكرون سيعني أن تنكفئ الدول المقتدرة على نفسها وتستحوذ على المزيد من اللقاحات لتطعيم مواطنيها بجرعات ثالثة لتعزيز المناعة بعد أن أثبتت الدراسات المختبرية انخفاض فاعلية اللقاحات الحالية بدرجات متفاوتة أمام المتحور الجديد. هذا الأمر يعني أيضاً أن توجه شركات الدواء العالمية، جهودها نحو تطوير لقاحات أكثر فاعلية تسوّق بالطبع في الدول الغنية بينما ما يزال غالبية سكان الدول الفقيرة بلا تلقيح. وهنا المشكلة الأكبر.

ظل العلماء والمختصون يقولون بلا كلل أو ملل منذ بداية أزمة «كورونا»، إنها قضية دولية والعلاج لا بد أن يكون دولياً، محذرين من أن استحواذ الدول الغنية على إمدادات اللقاحات لن يحقق لها الحماية المطلوبة ما دامت الدول الفقيرة لا تحصل على التطعيم. فالفيروس يجد بيئة خصبة حيث لا يتوفر التطعيم، فيتحور وينتشر مجدداً في هذه القرية الكونية بسلالات جديدة أشد شراً وأكبر خطراً. واليوم يحذر بعض العلماء أنه إذا ظلت أغلبية دول العالم الفقيرة بلا تطعيم كافٍ، فإن فيروس «كورونا» بتحوراته سيبقى معنا كمشكلة كبرى حتى العام 2025 وربما إلى ما لا نهاية مثل الإنفلونزا. ومع الهلع الجديد الذي أثاره الانتشار السريع والمذهل لمتحور أوميكرون بدأت أغلبية الدول، لا سيما في العالم الصناعي، تفرض قيوداً وإجراءات مشددة مصحوبة بحملات لدعم التطعيم في مختلف الفئات العمرية بما في ذلك الأطفال.
هذه النقطة تحديداً ركز عليها تيدروس أدهانوم غيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية عندما قال للصحافيين، أول من أمس، إن المنظمة تشعر بالقلق من أن برامج تعزيز التطعيم ستؤدي إلى تكرار استحواذ الدول الغنية على اللقاحات المنتَجة وتخزينها، مما يفاقم الفوارق الكبيرة في توزيع اللقاحات بين الدول، وبالذات بين الدول الغنية والفقيرة.
ومع اتساع هذه الهوة في التطعيم والتي يسميها البعض «التفرقة اللقاحية»، على وزن التفرقة العنصرية، يبقى فيروس «كورونا» مشكلة خطيرة مستمرة، لأنه سيجد دائماً بيئة خصبة في الدول المحرومة من اللقاحات يتحور فيها ليعود للانتشار مجدداً في الدول الغنية بسلالات تضعف من تأثير اللقاحات، وهكذا نبقى ندور في حلقة مفرغة.

يستطيع المرء أن يتفهم أن الدول تعطي الأولوية لمواطنيها في التطعيم والحماية، لكن بعد الجرعة الأولى ثم الثانية لا بد أن يتساءل الناس عن جدوى استمرار سياسة الانكفاء، وعما إذا كان الوقت قد حان لتوجيه الطاقات نحو محاربة الفيروس بمنظور عالمي وبجهد مشترك يضع اللقاحات في متناول الجميع. فالسياسات الراهنة إذا كانت مجدية، لما كانت الدول الغنية تواجه وضعاً خطيراً مع متحور أوميكرون.

خذ أميركا على سبيل المثال التي تجلس على صدارة الاقتصاد العالمي ولديها بعض أهم شركات الدواء ومنها فايزر وموديرنا اللتان تتصدران قائمة منتجي لقاحات «كوفيد»، وعلى الرغم من ذلك تعيش اليوم رعب متحور أوميكرون الذي ظهر أولاً في جنوب أفريقيا لينطلق منها نحو بقية العالم. وهذا الأسبوع وقفت أميركا أمام لحظة حزينة عندما تجاوز عدد وفيات «كوفيد» فيها 800 ألف شخص، وهو الأعلى في أي بلد ويشكل أزيد من 15 من وفيات «كوفيد» عالمياً التي بلغت نحو 5.3 مليون إنسان.

خذ بريطانيا كنموذج آخر، فهي كانت أول دولة في العالم تبدأ استخدام لقاحات «كوفيد» لتطعيم مواطنيها، لكنها تواجه الآن انتشاراً مرعباً لمتحور أوميكرون. فعدد الإصابات تجاوز حاليا 200 ألف إصابة في اليوم، ويتوقع بعض الخبراء ومنهم الدكتورة سوزان هوبكنز مستشارة الحكومة البريطانية في شؤون الصحة العامة، أن يصل العدد إلى مليون إصابة يومياً نهاية الشهر الحالي، إذا استمر الانتشار بالوتيرة الراهنة.

الأمثلة كثيرة بلا شك، والرسالة النهائية واحدة، وهي أنه لا حصانة أو أمان لأي دولة ضد «كورونا» ومتحوراتها، إذا بقي جزء من البشرية بلا تطعيم. ولا غرابة أننا نسمع اليوم انتقادات في الدول الغربية لمعالجة السياسيين للأزمة، إذ أن الناس تعبوا من استمرار القيود والضغوط على أسلوب حياتهم ومعيشتهم، ومن الرسائل المتضاربة التي يسمعونها، من دون رؤية ضوء في نهاية النفق على أن الأزمة تقترب من نهايتها. فعندما يستمعون أحياناً إلى مناقشات ومجادلات السياسيين بشأن خطط التصدي لفيروس «كورونا» ومتحوراته، لا يشعرون بالثقة أن قادتهم يملكون رؤية واضحة حول كيفية معالجة الأزمة. والثقة بلا شك هي أهم بضاعة يمكن أن يسوقها السياسي في أوقات الأزمات كي يقنع الناس حتى يتبعوه في قراراته وإجراءاته.

في مناقشات البرلمان البريطاني أول من أمس لتمرير حزمة الإجراءات الجديدة التي أعلنها رئيس الوزراء بوريس جونسون، تمرد عليه 99 نائباً من حزبه وصوتوا ضد الإجراء الذي يفرض إبراز شهادة تطعيم أو نتيجة فحص حديث تثبت الخلو من «كوفيد»، لمن يريد دخول أماكن معينة، ما اضطره للاعتماد على أصوات حزب العمال المعارض. حتى بين المؤيدين كانت هناك آراء ناقدة لبعض جوانب الخطة، ولأن التمرد في صفوف نواب حزب المحافظين كان الأكبر الذي يواجهه جونسون منذ توليه رئاسة الحكومة، فإن هناك شكوكاً جدية في أن يقدم على أي إجراءات مشددة أخرى، لا سيما أنه فقد ثقة غالبية الناس أخيراً بسبب فضيحة تنظيم حفلات في مقر رئاسة الحكومة، في خرق واضح لإجراءات الحظر على التجمعات المفروضة في البلد آنذاك (نوفمبر وديسمبر 2020).

مثل هذه المجادلات تجدها في المناقشات الجارية في كثير من الدول حول إجراءات التصدي لأصعب أزمة يعرفها العالم منذ نحو قرن. المحزن أن النغمة الطاغية هي معالجة كل دولة للأزمة داخل حدودها، بينما المطلوب نظرة شمولية وإرادة سياسية تعلّي صوت العلماء الذين ظلوا ينبهون إلى ضرورة عولمة الحرب على «كوفيد» وإيصال اللقاحات إلى الدول الفقيرة. عندها فقط يمكن للعالم أن يكبح جماح «كورونا» الذي قلب الحياة رأساً على عقب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحلقة المفقودة في مواجهة «كورونا» ومتحوراته الحلقة المفقودة في مواجهة «كورونا» ومتحوراته



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان
المغرب اليوم - غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib