التلسكوب والأسئلة الصادمة

التلسكوب والأسئلة الصادمة

المغرب اليوم -

التلسكوب والأسئلة الصادمة

خالد منتصر
بقلم - خالد منتصر

منذ أن أعلن الرئيس الأمريكى بيل كلينتون خريطة الجينوم البشرى عام ٢٠٠٣، لم يعلن رئيس أمريكى آخر حدثاً علمياً على المستوى نفسه إلا الرئيس بايدن منذ يومين، عندما نشر أول صورة لأعماق الكون بتلسكوب جيمس ويب، الذى تفوق على تلسكوب «هابل» ويصنع ويبنى منذ عشرين سنة وتكلف عشرة مليارات دولار.

إعلان خريطة الجينوم كشف خريطة الداخل الإنسانى، أعمق أعماقه وصار كتاباً مفتوحاً للجميع، وأيضاً صار من الممكن التحكم فيه بالقص واللصق وتشكيل سوبرمانات جديدة وعلاج أمراض بتقنية كريسبر.. إلخ.

أيضاً أثبتت تلك الخريطة عبقرية «داروين» حين تمت المقارنة بين خريطة جينوم الإنسان وخريطة جينوم الشمبانزى واتضح أنهما أقرب الخرائط الجينومية بشكل يكاد يصل إلى التطابق بنسبة ٩٩٪!، وكذلك صور جيمس ويب التى أثبتت عبقرية «أينشتاين»، فعندما قال رئيس وكالة «ناسا» بيل نيلسون إن سلسلة المجرات التى يُطلق عليها اسم «سمكس 0723» تعمل كتلتها المجمعة بمثابة عدسة للجاذبية تُضخم بدرجة كبيرة الضوء القادم من مجرات بعيدة خلفها.

وهو ما يعنى أن عنقود المجرات الظاهر فى الصورة يقوم بعمل «انحناء للضوء»، وهو الأمر الذى تحدث عنه العالم ألبرت أينشتاين حين قال فى نظريته النسبية إن «الضوء يُمكن أن يتأثر بالجاذبية، وينحنى فى الفضاء حال وجود كُتل مُجمعة»، هكذا العبقرية فـ«داروين» بدون معامل تحليل وراثى و«أينشتاين» بدون تلسكوب توصلا إلى نبوءات علمية نتاج عقل جبار يسكن جمجمة كل منهما، لكن ما هو تلسكوب جيمس ويب؟

طوّرت وكالة الفضاء الأمريكية بالتعاون مع نظيرتها الأوروبية والكندية تلسكوب «جيمس ويب» ليأتى خلفاً لتلسكوب «سبيتزر» الذى انتهت مدة خدمته قبل عامين، وكان يعمل بنفس تقنية تلسكوب «جيمس ويب»، وهى الرصد باستخدام الأشعة تحت الحمراء.

ويتكوّن التلسكوب الذى بلغت تكلفته 10 مليارات دولار من مرآة مقعرة قطرها 6 أمتار ونصف المتر تم طلاؤها بالذهب لتعكس الأشعة تحت الحمراء بصورة ممتازة. والمرآة المقسمة إلى 18 قطعة سداسية الشكل، مزودة بمستشعرات مهمتها تحليل تلك الأشعة غير المرئية القادمة لنا من أعماق الكون.

وتُعد تلك المرآة القطعة الأهم فى ذلك التلسكوب، كما تقول وكالة الشرق الإخبارية، إذ إنها أكبر بكثير من مرآة تلسكوب «هابل» التى يبلغ قطرها 2.4 متر.

وتستطيع مرآة تلسكوب «جيمس ويب» رصد مجموعة كبيرة من الأطياف الضوئية، منها طيف الأشعة فوق البنفسجية، والأشعة تحت الحمراء، وفى نطاق ترددى يتراوح ما بين الكبير جداً والصغير للغاية.

ويعنى ذلك أن «جيمس ويب» يستطيع رصد الضوء القادم من النجوم البعيدة للغاية، وهو ضوء ذو طول موجى طويل للغاية وتردد صغير.

ويحتوى التلسكوب أيضاً على مجموعة متطورة من الأدوات العلمية، التى تشمل كاميرا الأشعة تحت الحمراء التى تعمل على معالجة الطيف الذى يتراوح من حافة الضوء المرئى وحتى الأشعة القريبة من تحت الحمراء، ومطياف من نوع خاص لرصد الطول الموجى، وجهاز لقياس الأشعة تحت الحمراء المتوسطة، علاوة على مجموعة من المستشعرات الأخرى التى تقوم بعزل الضوضاء اللونية الناجمة عن إكليل الشمس والنجوم الأخرى.

ووضع التلسكوب فى مدار بيضاوى حول الشمس، يبقيه بعيداً عن الأرض وعن ظل القمر، بحيث يبعد فى نقطته الأدنى من الأرض بنحو 250 ألف كيلومتر، فيما يبعد عنها فى نقطته الأقصى بنحو 830 ألف كيلومتر.

وذلك البعد عن كوكب الأرض يُمكّنه من رصد موجات الضوء غير المنظور، وهو ضوء له طول موجى كبير وتردد منخفض، من أعماق الكون بكفاءة مذهلة ودون تشويش، تجعله قادراً على تكوين صور من معلومات يحملها ضوء عمره أكثر من 13 مليار سنة، أى فى بدايات الكون المبكرة للغاية.

ولتلسكوب «جيمس ويب» 4 أهداف رئيسة تشمل: دراسة تكوّن وتطور المجرات، وفهم الأنظمة الكوكبية، ودراسة أصل الحياة، علاوة على البحث عن الضوء المنبعث من النجوم والمجرات التى تكوّنت مباشرة بعد الانفجار العظيم.

لاحظوا أن ما نراه فى الصورة هو الماضى وليس الحاضر ولكننا نراه بعين الحاضر، والمجرة التى نراها مضيئة على بعد مليارات السنين الضوئية من الممكن أن تكون قد ماتت واندثرت! إنها إثارة العلم التى لا تنتهى، ولكن ماذا يعنى هذا الإنجاز ولماذا كل هذا الاحتفاء؟

هذه الصورة يا سادة قالت عنها «ناسا»: «هذه الصورة هى الأكثر عمقاً والأكثر وضوحاً التى تُلتقط للكون حتى اليوم»، وهى تمثل الكون قبل 4.6 مليار سنة، يا جماعة كل نقطة هى مجرة! عارفين يعنى إيه مجرة؟ يعنى ٤٠٠ مليار نجم، والشمس نجم، ونحن كوكب من ضمن كواكب تابعة لهذا النجم، و«ناسا» تقول إن تلك الصور هى عبارة عن تصوير لذرة رمل فى هذا الكون! والسؤال الصادم الذى سيلمع فى مخ كل من سيشاهد تلك الصور: معقول كل الكون ده مخلوق عشانى أنا الإنسان القابع فى شارع كذا فى مدينة كذا على هذا الكوكب الضئيل التافه؟!

الصور ستنزل تباعاً وستنشرها وكالة ناسا، وكل صورة ستكون أكثر إبهاراً وصدمة من الصورة التى قبلها، وستعرف مع كل صورة أن طوق النجاة الوحيد هو العلم لا الوهم والأساطير، وما سيجعلك تفهم هو العلم لا الخرافة ولا الأمنيات الكاذبة، إنها أخطر صورة «سيلفى» مع الكون فى القرن الحادى والعشرين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التلسكوب والأسئلة الصادمة التلسكوب والأسئلة الصادمة



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib