إلغاءُ الانتخاباتِ الفلسطينية فتيلُ ثورةٍ وصاعقُ غضبٍ

إلغاءُ الانتخاباتِ الفلسطينية فتيلُ ثورةٍ وصاعقُ غضبٍ

المغرب اليوم -

إلغاءُ الانتخاباتِ الفلسطينية فتيلُ ثورةٍ وصاعقُ غضبٍ

مصطفى اللّداوي
بقلم : د. مصطفى يوسف اللداوي

لن يحتمل الشارع الفلسطيني أبداً احتمال تأجيل الانتخابات الفلسطينية وإلغائها، أو تعطيلها وعرقلتها، أو المساس بها وتهديدها، فقد بات مستعداً لها ومهيئاً لخوضها، وتجهز لها بما يلزمها نفسياً ومادياً، وانطلقت حملات الحراك الشعبي المطلبية والمعيشية، كحراك الموظفين والشباب والأسر الفقيرة والعاطلين عن العمل وغيرهم، تلوح بقدراتها وتستعرض إمكانياتها، وتظهر قوة أصواتها الانتخابية، وتؤكد على دورها وحجم تأثيرها في نتائجها القادمة، وهي تعتبر أن الانتخاباتِ حقٌ شعبي وليس مكرمة من أحدٍ، ولا مِنَّة من أي جهةٍ، فلا يحقُ لأيُ طرفٍ كان، فلسطينياً أو دولياً، عربياً أو أجنبياً، صديقاً أو معادياً، أن يصادر حقها ويحرمها دورها، وأن يعطل الانتخابات لأسبابه السياسية ودوافعه الخاصة.

لم يتأخر الفلسطينيون عن القيام بدورهم، والاستعداد لمهمتهم الوطنية، فقد ذكرت لجنة الانتخابات المركزية أن نسبة تحديث البيانات الشخصية للمواطنين الفلسطينيين الذين يحق لهم الاقتراع في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، قد بلغت نسبةً تفوق ألـــــ96%، وهي أعلى نسبة يمكن لشعبٍ متحضرٍ أن يشهدها ويسجلها مواطنوه، وفيها سجل الشباب الفلسطيني أكبر حضورٍ ومشاركةٍ مما كان يتوقعه المراقبون، الأمر الذي يكشف حجم الوعي والجدية والأمانة والمسؤولية التي يتحلى بها الشعب الفلسطيني.

كما تقدمت إلى لجنة الانتخابات المركزية ستةٌ وثلاثون قائمة بأسمائها للمشاركة في المنافسة الانتخابية، وهي قوائمٌ حزبية وعشائرية ومستقلة، وحراكية وتفاعلية وفكرية وسياسية وشخصية، تتمثل فيها المرأة والمسيحيون ومختلف مكونات الشعب الفلسطيني، وتبدي جميعاً كامل الرغبة والاستعداد للمشاركة في الانتخابات، وقد سجلت قوائمها في الوقت المحدد رسمياً، والتزمت بدفتر الشروط الانتخابية، ودفعت الرسوم المتوجبة عليها، والتزمت الصمت الانتخابي في انتظار انطلاق الدعاية الانتخابية، وسجل فيها عددٌ غير قليلٍ من كبار الأسرى والمعتقلين، الذين يتوقع أن يكون لهم حضورٌ لافتٌ في المجلس التشريعي القادم.

الشعب الفلسطيني لا يلعب ولا يهزأ، ولا يضيع وقته ولا يغامر بمصداقيته، ولا يسمح لأحدٍ أن يعبث بحقوقه ويتطاول على دوره، فهو جادٌ في ممارسة حقه وأخذ دوره في تحديد هوية وشخصية من يمثله ويتحدث باسمه في المجلس التشريعي، ويريد أن تكون له كلمته الفاصلة وصوته المؤثر، وهو جادٌ في المشاركة في تسمية من يحكمه ويدير شؤونه ويتحدث باسمه، ويريد أن يكون له كامل الدور في مراقبتهم ومحاسبتهم، وفي سؤالهم والتحقيق معهم، فهم ليسوا أحراراً بالتصرف في حقوق الشعب الفلسطيني، أو التقصير في خدمته وتوفير احتياجاته، والعمل على تسهيل عيشه وضمان حقوقه، فالمناصب مهامٌ والصفاتُ مسؤولياتٌ، ولم تعد الصدارة هيئاتٌ أو تشريفاتٌ، بل هي أماناتٌ وواجباتٌ.

لكن القلق بدأ فعلاً يساور الشعب الفلسطيني من احتمال إلغاء أو تأجيل الانتخابات، وذلك بعد أن كثرت الأقاويل وشاعت التصريحات التي تتحدث عن هذه الاحتمالات، تحت ضغط الانقسام الحاد في حركة فتح، الذي بات يهدد وحدة الحركة ويمزق صفها، ويعدد تمثيلها ويهدد شرعيتها، مما يقلل من فرص تصدرها للنتائج ويضعف سيطرتها على المجلس التشريعي، أو بسبب الضغوط الإسرائيلية التي يمارسها تهديداً واعتقالاً، وتضييقاً ومنعاً، أو بسبب التحذيرات والمخاوف العربية والأمريكية من احتمال فوز حركة حماس، وحصولها على نسبةٍ تفوق ما قد تحصل عليها حركة فتح.

لا أعتقد أن الشعب الفلسطيني سيقف مكتوف اليدين، صامتاً لا يتحرك إزاء هذا التهديد في حال أصبح حقيقة، وصدر مرسومٌ آخر يبطل المراسيم الأولى المنظمة للعمليات الانتخابية بمراحلها الثلاثة، فهو لن يقبل أبداً بهذا العبث الذي يهدد مستقبله، ويغامر بقضيته، فقد عول الفلسطينيون كثيراً، في الوطن والشتات، على وحدة السلطة واتفاق الفصائل، وانتهاء الانقسام وإتمام المصالحة، وعودة مؤسسات السلطة للعمل بصورة طبيعية لخدمة الشعب الفلسطيني، وهو ما أكدت عليه الفصائل الفلسطينية ومختلف قوى الشعب، عندما وافقت على إجراء الانتخابات، وتجديد الشرعيات، وتحقيق المصالح الوطنية المجتمعة كلها.

على المقامرين بمصالح الشعب الفلسطيني، والعابثين بحقوقه، والمستخفين به، والجاهلين بحقيقته، أن يدركوا تماماً أن ردة فعل الشعب ستكون سريعة وحاسمة، وقوية ومؤثرة، وشاملة  وواسعة، وصادمة وقاسية، وقد تكون مزلزلة ومجلجلة.

فقد تنزل الجماهير الفلسطينية إلى الشوارع والطرقات، وتعتصم في الساحات والميادين، وتنظم مسيراتٍ ومظاهراتٍ، وقد تخوض عصياناً عاماً، وتلوح بعصا الثورة وسيف الثورة، فحقها يترنح، وصوتها يتبدد، وصورتها تتشوه، وقضيتها تتعرض لمزيدٍ من الخطر.

وإسرائيل تستفرد بنا، والولايات المتحدة الأمريكية تضحك علينا، وبعض دولنا العربية تضر بنا وتتآمر علينا، وتتدخل في شؤوننا وتعبث في مصيرنا، الأمر الذي يفرض على الشعب انتخاب قيادةٍ رشيدةٍ عاقلةٍ، حكيمةٍ مخلصةٍ، تتصدى للخطوب وتواجه التحديات، وتقود المسيرة، وتأخذ بخطام القضية نحو بر الأمان.

وعلى الشعب الفلسطيني عامةً وقواه خاصةً أن يحصن حقوقه، وأن يحمي وطنه ويصون قضيته، وأن يتهيأ لهذا اليوم الذي بات وشيكاً، فهو يعلم أن رئيس السلطة الفلسطينية يتعرض لضغوطٍ كثيرة، وتنتابه هواجس ومخاوف عديدة، لكن المطلوب منه أن يكون رئيساً مسؤولاً، شجاعاً جريئاً، قوياً صلباً، أميناً على حقوق شعبه، فلا يستجيب لغيره، ولا يخضع لسواه، وليمض في استحقاقه، ولا يقبل بتأخيره، ولا يوافق على إلغائه، وليعلم أنه مغادرٌ لنا راحلٌ عنا، “أطال الله في عمره”، لكنها سنة الحياة ونواميس الكون، فلا يغادرنا وقد أساء إلينا، ولا يرحل عنا وقد أجرم في حقنا، بل يترك خلفه سنةً حسنةً وأثراً طيباً يشفع له، وبه بالخير يُذكر وبحسن الخاتمة يُحفظ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إلغاءُ الانتخاباتِ الفلسطينية فتيلُ ثورةٍ وصاعقُ غضبٍ إلغاءُ الانتخاباتِ الفلسطينية فتيلُ ثورةٍ وصاعقُ غضبٍ



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 17:34 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"
المغرب اليوم -

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب

GMT 07:16 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

الهاتف "ري فلكس" يطوى ليقلب الصفحات مثل الكتاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib