الجولة الثانية من الحرب على غزة وآفاقها

الجولة الثانية من الحرب على غزة وآفاقها

المغرب اليوم -

الجولة الثانية من الحرب على غزة وآفاقها

الدكتور ناصيف حتّي
بقلم: الدكتور ناصيف حتّي*

بدأت الجولة الثانية من الحرب الإسرائيلية على غزة بعد هدنة أسبوع تقريباً. وتتم الحرب شهرها الثاني. وتدرك القيادة الإسرائيلية، ولو أنها لا تريد أن تعترف علناً، أنها وقعت أسيرة أهدافها الإلغائية لـ«حماس» وغير القابلة للتحقيق. تستمر الحرب لأن أكثر من وزير في الحكومة، أولهم وزير الأمن القومي بن غفير، هدد بالانسحاب من الحكومة، وبالتالي إسقاط الحكومة لو توقفت الحرب. كما أن بنيامين نتنياهو صار يواجه معارضة مزدادة من أوساط اليمين بسبب إدارته للحرب.

ويحملونه المسؤولية الأساسية في الإخفاق الأمني بتداعياته الاستراتيجية الذي أدى إلى نجاح الهجوم الذي قامت به «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول) والارتدادات السلبية متعددة الأوجه والأبعاد لذلك على إسرائيل. كما «يتغطى» الهجوم على نتنياهو بذلك لتعزيز الانتقادات ضده، التي تتعلق بالسياسة الإسرائيلية في مجالات أخرى من طرف خصومه. الأمر الذي يزيد من حدة الصدام بين مؤيديه ومعارضيه في أوساط اليمين ذاته. وصارت عملية منع نتنياهو من السقوط المدوي ونهاية حياته السياسية مرتبطة باستمرار الحرب.

ازدياد رد الفعل في الرأي العام العالمي والغربي بالخصوص ضد الحرب والإحراج الذي بات يصيب حلفاء إسرائيل بسبب السقف العالي للأهداف غير الممكن تحقيقها، الذي يدرك الحلفاء، في طليعتهم واشنطن، أن المطلوب البحث عن خيارات أكثر واقعية، بالتالي أكثر قابلية للتحقيق، ولو استمر البعض بالتمسك بالعناوين ذاتها التي رفعتها الحكومة الإسرائيلية في حرب الإلغاء التي شنتها ضد القطاع. حلفاء آخرون أخذوا يلمحون، ولو بخجل على الأقل حالياً، إلى ضرورة التوصل إلى مزيد من الهدن المتتالية أو الهدنة المطولة أو المفتوحة ووقف حرب الإبادة ضد المدنيين، وذلك لإدراكهم أن إسرائيل غير قادرة على تحقيق الأهداف التي رفعتها في بداية الحرب.

تدرك إسرائيل وأصدقاؤها أنه لا يوجد طرف عربي أو دولي يمكن أن يقبل، إما لأسباب مبدئية أو عملية لأنه لن ينجح، أن يتولى مسألة إدارة القطاع بشكل انتقالي، وفي حقيقة الأمر مفتوح في الزمان، تحت سيطرة إسرائيل الأمنية وبشروطها، لما لذلك من تداعيات على مصالحه الإقليمية والدولية. أضف إلى ذلك أن إسرائيل بدأت تدرك عدم إمكان تحقيق أهدافها التي أعلنت عنها منذ اليوم الأول للحرب: الإعلان عن إقامة منطقة آمنة شمال غزة، من خلال طرد السكان إلى جنوب القطاع، وكان الهدف المعلن سابقاً هو إخراجهم نحو مصر. وبالطبع أدركت أن ذلك غير ممكن فلسطينياً ومصرياً. إسرائيل في حربها ضد غزة صارت أسيرة الشعارات التي رفعتها أهدافاً للحرب وستجد نفسها ذاهبة نحو حرب ممتدة تحمل تصعيداً وتخفيضاً في القتال دون تحقيق أي من الأهداف الأساسية للحرب. وقد بدأت السخونة، كما كان متوقعاً، بالوصول إلى الضفة الغربية. والتطورات بشكل خاص في منطقة جنين خير دليل على ذلك. ولا بد من التذكير بأن سياسة التهويد الناشطة والمعلن عنها بوضوح كلي التي تتبعها الحكومة الحالية كأحد أهدافها العقائدية والاستراتيجية في الوقت ذاته في الضفة الغربية، على صعيد القوانين والإجراءات المتخذة المعلن عن اتخاذها، وكذلك النشاط الاستيطاني المزداد والعنف من طرف المستوطنين ضد السكان الفلسطينيين، كلها عناصر تدفع لانفجار الوضع في الضفة الغربية عبر انتفاضة ثالثة. المثير للاهتمام يكمن في كيفية تعامل بعض الدول الغربية تجاه هذا الأمر. فمن جهة، تكرر تأييدها إقامة حل الدولتين، بالتالي قيام الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع، فيما لم تفعل شيئاً ضد ما تنشط إسرائيل والمستوطنون بشكل خاص للقيام به لنسف أسس قيام الدولة. والمضحك المبكي التهديد باتخاذ إجراءات ضد المستوطنين الذين يعتدون على الفلسطينيين في الضفة الغربية، في حين أن الاستيطان بحد ذاته هو عمل يشكل خرقاً فاضحاً للقوانين والأعراف والقرارات الدولية ذات الصلة فيما يتعلق بالأراضي المحتلة، ولم تتخذ هذه القوى منذ الاحتلال الإسرائيلي في يونيو (حزيران) 1967 أي موقف فعلي أو أي إجراء تجاه سياسة نسف وإلغاء الأسس التي يفترض أن يقوم عليها الحل الذي تنادي به هذه القوى الدولية.

هنالك اليوم ثلاثة «مسارح مواجهة» مختلفة بدرجة الحدة والأهداف المعلنة لكنها مترابطة: أولها بالطبع غزة مع استمرار الحرب بكافة تداعياتها، ومنها الأمنية، على المسرحين الآخرين: الضفة الغربية وجنوب لبنان. ولا يمكن الفصل في النظرة والحلول الممكنة وفي إدارة الصراع قتالاً وتهدئةً بين غزة والضفة الغربية، وبالطبع يظهر الترابط بين الاثنتين بشكل واضح وواقعي عندما سيجري البحث بالحلول الواقعية، التي تؤمن السلام حسب القرارات الدولية ولو المؤجلة بشكل صار شبه دائم، ولو أن التأجيل يزيد من مصاعب الحل المعروف والمطلوب. لكن التأجيل والحروب الإسرائيلية المختلفة لا يوفران بديلاً واقعياً ودائماً عن الحل الدائم المطلوب والوحيد. قد تتراجع إسرائيل مع الوقت «وتنزل عن الشجرة» التي وضعت نفسها عليها للقبول بهدنة مطولة أو وقف إطلاق النار في مرحلة ما زالت بعيدة والاكتفاء بترتيبات أمنية متوازية لخلق الهدوء على الحدود بين غزة وإسرائيل وليس سيطرة إسرائيلية على القطاع.

ثاني مسارح المواجهة يتمثل بالتطورات المتسارعة في الضفة الغربية والتداعيات الخطيرة، ليس فقط على الضفة الغربية، بل على الإقليم ودول الجوار تحديداً في انفجار الوضع إذا ما حصل، ولا يمكن استبعاده طالما الأطراف الخارجية القادرة على التأثير في الموقف الإسرائيلي تكتفي فقط بالتصريحات الحاملة للتنبيه والتحذير دون أي تأثير على أرض الواقع، فيما تستمر سياسة التهويد بأشكال وسرعات مختلفة لخلق واقع جديد يهدف إلى إلغاء إمكانية قيام الدولة الفلسطينية المطلوبة.

المسرح الثالث يتعلق بالجنوب اللبناني وازدياد المخاوف من الانزلاق نحو حرب مدمرة تذكر بما حصل في صيف 2006. تحاول إسرائيل تعديل قواعد اللعبة وخلق منطقة آمنة على الحدود من خلال التأكيد على بند محدد في قرار مجلس الأمن 1701 (تحديداً النقطة الثانية من الفقرة الثامنة بشأن إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أي أفراد مسلحين أو معدات أو أسلحة) وفيما المعطيات المعروفة تؤكد أن أصحاب القرار (حزب الله وحلفاءه) على أرض الواقع من الجانب اللبناني يعدون أنه طالما هنالك أراضٍ لبنانية محتلة (مزارع شبعا، وشمال الغجر ومرتفعات كفر شوبا) يجب تحريرها، فلا يمكن القبول بالشروط الإسرائيلية. ويرى آخرون أن موضوع الأراضي اللبنانية المحتلة هو بمثابة حجة للإبقاء على السلاح خدمة لأهداف استراتيجية تتعدى الموضوع المشار إليه. فالشرط الإسرائيلي المشار إليه لا يمكن تحقيقه، وبالتالي ما هو ممكن لإعادة الهدوء يكون بالعودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل الحرب، مع قواعد الاشتباك المنظمة له. والبعض يقول إن هذا الأمر قد تغير أيضاً بعد حرب غزة مع تبلور عقيدة استراتيجية تقوم على «وحدة الساحات»، كرستها الحرب الدائرة، وأهمها وأنشطها إلى جانب «الساحة الفلسطينية» حالياً الساحة اللبنانية التي تبقى الساحة المحورية في هذه الاستراتيجية.

ودون شك سيؤثر ما يؤول إليه الوضع في غزة والتسوية الممكن حصولها مع الوقت، كما أشرنا سابقاً، مع تراجع إسرائيل عن أهدافها المعلنة، التي تحتاج إلى ضغط دولي لوقف العدوان الإسرائيلي المستمر، الذي يهدد بحرب إقليمية، للتمهيد عبر التفاوض غير المباشر وعبر الوسطاء الناشطين لتثبيت الاستقرار من جديد على الجبهة اللبنانية. وسيؤدي ذلك إلى تبلور قواعد جديدة للاشتباك، كما حصل غداة حرب 2006.

فالجبهات كلها مترابطة رغم الاختلاف في السخونة بين جبهة وأخرى، وقابلة الاشتعال أو للتهدئة. وبقي أن التهدئة ولو حصلت على مراحل وسرعات مختلفة بين جبهة وأخرى، وبشكل مترابط، وبقدر ما هي ضرورية، بقدر ما علينا أن نتذكر أنها غير كافية إذا لم تتم العودة رغم العوائق الكثيرة، القديمة والجديدة، نحو إعادة إحياء عملية السلام، وهذه ليست بالأمر السهل، وأمامها العديد من العوائق القديمة والجديدة، ولها الكثير من الشروط الواجب تحقيقها، وهي غير مستحيلة لكنها صعبة، من أهمها دون شك إعادة ترتيب البيت الفلسطيني.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجولة الثانية من الحرب على غزة وآفاقها الجولة الثانية من الحرب على غزة وآفاقها



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 09:21 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات عصرية وجذابة للنجمات بصحية الدنيم
المغرب اليوم - إطلالات عصرية وجذابة للنجمات بصحية الدنيم

GMT 06:49 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

المغربي سعد لمجرد يُثير الجدل برسالة جديدة لدنيا بطمة
المغرب اليوم - المغربي سعد لمجرد يُثير الجدل برسالة جديدة لدنيا بطمة

GMT 23:18 2023 السبت ,15 إبريل / نيسان

إتيكيت إهداء العطور النسائية

GMT 15:10 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

عجائب طبيعية مذهلة تستحق الزيارة في أوكرانيا

GMT 15:08 2017 الخميس ,16 آذار/ مارس

محلات "mango" تطرح مجموعة مميزة من ملابس 2017

GMT 03:20 2015 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

سيدة الصين الأولى تلتقي زوجة رئيس الوزراء البريطاني

GMT 06:34 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

فورد تخوض غمار سيارات الهاتشباك بـ مونديو استيت 2017

GMT 18:55 2024 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

ريال مدريد يفتقد فاسكيز فى السوبر الإسباني للإصابة

GMT 15:10 2022 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

نمو الاقتصاد السعودي 8.8 % خلال الربع الثالث

GMT 08:10 2021 الأحد ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أقراط ذهب من ماركات مجوهرات إيطالية

GMT 19:14 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

جوزيه مورينيو يتحدث عن غياب غاريث بيل عن مباريات توتنهام

GMT 18:01 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تتهرب من تحمل المسؤولية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib