القمة الدولية لأوكرانيا ماذا بعد

القمة الدولية لأوكرانيا... ماذا بعد؟

المغرب اليوم -

القمة الدولية لأوكرانيا ماذا بعد

الدكتور ناصيف حتّي*
بقلم: الدكتور ناصيف حتّي*

القمة الدولية حول أوكرانيا التي استضافتها سويسرا يومي 15 و16 يونيو (حزيران) بمشاركة أكثر من 90 دولة ومنظمة دولية، هدفت أساساً إلى توفير الدعم لأوكرانيا، كما صرَّح أكثر من طرف رئيسي مشارك، والعمل على بلورة حل سياسي تفاوضي للحرب التي بدأت منذ سنتين ونيف من الزمن... ولم تُدعَ روسيا للمشاركة في المؤتمر. الأمر الذي رأى كثيرون، من الذين شاركوا، أنه يُضعف الهدف الأساسي للمؤتمر وهو إطلاق المفاوضات السلمية بشكل جدي. الصين الشعبية رفضت المشاركة لما عدَّته عدم التوازن في الموقف فيما يتعلق بهدف المؤتمر. قوى أساسية، من «الجنوب العالمي» ومنها أعضاء في «بريكس»، شاركت في المؤتمر كتأكيد لدعمها الحل السلمي للحرب الدائرة ولكنها لم توقِّع على البيان الختامي للمؤتمر، لما عدّته، من دون التصريح علناً بذلك بالضرورة، غياب التوازن في البيان أيضاً. الحكومة السويسرية أعلنت مساء الأحد أن عدد الموقِّعين على البيان الختامي انخفض إلى ٨٢ دولة ومنظمة دولية مشاركة.

ولا بد من التذكير بأن الحرب الأوكرانية أعادت إحياء منطق الحرب الباردة بقوة. الحرب التي تشجع على الحروب بالوكالة بين الأقطاب الدولية. منظمة حلف شمال الأطلسي أُعيد إحياؤها في الواقع بعد أن تراجع دورها بقوة مع سقوط القطب السوفياتي، ومعه سقوط وانتهاء «منظمة حلف وارسو». وهي من المفارقات التي أحدثتها عودة الحرب الباردة عبر المسرح الاستراتيجي الأوروبي، الذي كان المسرح المركزي في «نظام» المواجهة العالمية بعناوين وأشكال مختلفة كما كانت الحال مع الحربين العالميتين في القرن الماضي، ومن المفارقات أيضاً أن السويد، الدولة الحيادية، وفنلندا، الدولة التي اتَّبعت استراتيجية الحياد السياسي في الحرب الباردة الماضية، انضمَّتا إلى الحلف الأطلسي، غداة انطلاق الحرب الأوكرانية. كما يأتي التوجه الغربي لضم أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي، بموقعها الاستراتيجي المهم جداً بالنسبة إلى روسيا، بمثابة «سبب للحرب casus belli» لروسيا، القطب الدولي الوريث للاتحاد السوفياتي في النظام العالمي الذي يتشكل في عالم «ما بعد، بعد الحرب الباردة».

إن من أهم دروس هذه الحرب الحاملة للتوترات والمفتوحة على احتمالات التوسع، والداعمة بأشكال مختلفة لصراعات وحروب أخرى في العالم، أنْ لا حل عسكرياً لها. أهداف الحرب عند طرفيها المباشرين وغير المباشرين هي أهداف استراتيجية حيوية وحاملة لرسائل ودروس لصراعات أخرى قائمة أو تقوم بين هذه الأطراف المتواجهة بأشكال مختلفة، في أماكن أخرى في العالم. أول الدروس إذن أنه لا حل عسكرياً لهذه الحرب، والبديل عن التسوية السلمية السياسية، رغم العوائق الطبيعية أمامها كما أمام الحلول السياسية دائماً غداة الحروب، هو الدخول في حرب استنزاف طويلة الأمد حاملة مخاطر التوسع والتصعيد. وهي مخاطر قد تحصل بشكل مباشر، مدروس، أو غير مباشر عبر الانزلاق إلى حرب موسعة في الجغرافيا الأوروبية.

ثاني هذه الدروس الحفاظ على الوحدة الترابية لأوكرانيا، لعدم تشكيل سوابق أيضاً في دول أخرى ذات هويات متعددة ضمن الهوية الوطنية الواحدة. الهوية التي تَضعف وتَقوى من خلال جدلية العلاقة بين الهوية الوطنية وما دون الوطنية التي تخضع لاعتبارات سياسية عديدة ومتغيرة، ولطبيعة السلطة السياسية التي يمكن تكوينها لتوفر الحل الدائم لهذه الإشكالية.

ثالث هذه الدروس أن المطلوب إيجاد صيغة حكم مركبة (نوع من أنواع اللامركزية الموسعة أو الفيدرالية) تأخذ في الاعتبار هذا التنوع الهوياتي، وذلك ضمن الدولة الواحدة الموحدة.

رابع هذه الدروس أنه حان الوقت لولوج باب عملية سلام فعلية وشاملة على هذه الأسس المشار إليها، مع التذكير مجدداً بصعوباتها ولكن ليس باستحالة حصولها. يكون ذلك عبر عقد مؤتمر دولي للسلام تشارك فيه روسيا إلى جانب أوكرانيا وأطراف دولية معنية وقادرة على أن تدفع باتجاه تحقيق السلام وتوفير الضمانات المطلوبة لذلك.

خامس الدروس، أنه من المفيد إحياء إطار تعاون غربي - روسي، مثل الدور الذي يمكن أن يلعبه مجلس أوروبا مع إعادة روسيا إليه أو أي صيغة أخرى غربية - روسية تكون بمثابة منتدى، إلى جانب أهداف أخرى للتعاون، لمواكبة عملية بناء السلام وتعزيزه في أوكرانيا ومواكبته لاحقاً.

خلاصة الأمر أن قراراً من هذا النوع مبنيّاً على واقعية الدروس والعِبر المشار إليها، أكثر من ضروري، لأنه رغم المصاعب والعوائق أمامه يجعل إقامته أكثر ضرورة، ويخدم أهداف إقامة نظام عالمي جديد مستقر على قواعد مختلفة أو مجددة وتلافي السقوط في منطق الحرب الباردة والحروب التي تغذيها وتتغذى عليها. نظام يقوم أيضاً على احترام القانون الدولي وتفعيل دور الأمم المتحدة، وتحديداً مجلس الأمن.

نكرر القول: إن الأمر ليس بالسهل ولكنه ليس بالمستحيل، وهو البديل الواقعي الوحيد عن السقوط في نظام فوضى عالمية يدفع ثمنها الجميع في أرجوزات وقضايا مختلفة. صحيح أن أوكرانيا إحدى بوابات العبور نحو ما أشرنا إليه، ولكن للتذكير؛ ما يحصل من «إدارة دولية أممية» للحرب على غزة وما ولّدته من حروب، مثال ساطع وفاضح على ما يجب أن يتم احترامه وتفعيله كما أشرنا على الصعيدين الأممي والدولي للانتقال إلى بناء النظام الدولي الجديد المطلوب إقامته.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القمة الدولية لأوكرانيا ماذا بعد القمة الدولية لأوكرانيا ماذا بعد



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib