قمة الحلف الأطلسي والمسرح الآسيوي‬

قمة الحلف الأطلسي والمسرح الآسيوي‬

المغرب اليوم -

قمة الحلف الأطلسي والمسرح الآسيوي‬

الدكتور ناصيف حتّي*
بقلم: الدكتور ناصيف حتّي*

قمة منظمةِ حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي انعقدت في واشنطن «من 9 إلى 11» في الذكرى الـ75 لإنشاء الحلف، حملت رسالةً أساسيةً، مفادها ضرورة التركيزِ على «طموحات الصين الشعبية وسياساتها». الصين الشعبية التي - حسب البيان الختامي - تهدد «مصالح وأمن وقيم الحلف الأطلسي». ولكن الخطر الأهم يكمن في تعزيز الشراكة الاستراتيجية للصين الشعبية مع روسيا، في خضم احتدام المواجهة مع موسكو من خلال الحرب الدائرة في أوكرانيا.

قيل في الماضي إن نهاية الحرب الباردة مع سقوط نظام الثنائية القطبية ستفقد حلف الأطلسي علة وجوده. لكن الحرب الأوكرانية في «المسرح الاستراتيجي الأوروبي» أعادت بقوة إحياء دور الحلف، رغم التمايزات النسبية القائمة بين بعض أطرافه، حول المقاربة المطلوبة لإنهاء هذه الحرب، أو بمعنى آخر حول شروط التسوية مع موسكو. ويتخوف البعض من احتمال عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر (تشرين الثاني). عودة قد تؤدي إلى إعادة النظر في استراتيجية المواجهة القائمة حالياً بين الحلف الأطلسي وموسكو، مع السياسات الأحادية الشديدة التي طبعت سياسة الإدارة الأميركية السابقة في عهد ترمب. الحلف الأطلسي حالياً الذي تضاعف عدد أعضائه من 16، عشية نهاية الحرب الباردة إلى 32 بعد نهاية تلك الحرب، وآخر المنضمين كانت السويد، الدولة المحايدة في عصر الحرب الباردة.

ستبقى الحرب الأوكرانية بمثابة الملف الساخن الأساسي على قمة جدول أولويات الحلف الأطلسي، وهي دون شك تشكل حرب استنزاف أساسية لأوروبا، التي تعيش أزمات متعددة الأوجه، يتغذى بعضها على البعض الآخر. كل ذلك بانتظار الوصول إلى لحظة التفاوض، وأهداف ذلك التفاوض من وجهة نظرِ أعضاء الحلف، حيث ستظهر من دون شك خلافات في هذا المجال بين من يريد ضم أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي، ومن يقبل بتسوية. تسوية تأخذ بعين الاعتبار مصالح استراتيجية أمنية لموسكو في «المسألة الأوكرانية»، دون المس بالطبع بالوحدة الترابية لأوكرانيا، والقبول بعدم إمكانية ضم أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي، مقابل وقف النزف الحاصل والمكلف لأوروبا بشكل خاص. والجدير بالذكر أن الاهتمام المتزايد بالمسرح الاستراتيجي الذي تشكله «منطقة المحيطين الهادئ والهندي»، والمسرح الاستراتيجي الآسيوي بشكل عام، كل ذلك أمام تصاعد الدور الصيني،

يدفع للبحث في أفضل السبل لمواجهة هذا الدور الصيني، وبالطبع من دون البحث في إنشاء «ناتو آسيوي» لاستحالة قيام ذلك. فكثير من الدول في تلك المنطقة، ولو أن بعضها غربي الاتجاه لدرجات مختلفة، لا يريد الدخول في مواجهة مع الصين، بسبب العلاقات الاقتصادية المهمة معها، وأيضاً حفاظاً واستثماراً في علاقات سياسية تلحظ مجالات خلاف، لكنها ليست مواجهة مفتوحة، كل ذلك في إطار المخاطر الصينية المتزايدة، كما يراها الحلف الأطلسي، وكما عبّر عنها رسمياً، في قمته عام 2022، وأكدها مجدداً في العام الماضي. لذلك صار من الطبيعي، حسب المسؤولين في الحلف، إيلاء أولوية لهذه المخاطر والتحديات.

وللتذكير، تشمل هذه المخاطر كما يؤكدها الحلف الاطلسي ما يلي...

أولاً؛ سيناريو هجوم صيني على تايوان للانتهاء من الوضع الذي كان قائماً على «تفاهم عملي» ناظم للوضع القائم، ويقول هذا الرأي إن الصين الشعبية قد تقرر إسقاطه، وتحقق «الوحدة الصينية الكلية عملياً»، في خضم النظام العالمي الجديد، الذي هو في طور التشكل، وطبيعة موازين القوى الجديدة فيه، وموقع الصين الرائد في هذا المجال بقوتها وتحالفاتها.

ثانياً؛ التوجّه الكوري الشمالي للتحول إلى قوة نووية، وعضو جديد في النادي النووي، وما لذلك من تداعيات على موازين القوى في المنطقة، وخاصة تجاه الحليف الكوري الجنوبي.

ثالثاً؛ ما أشرنا إليه من تبلور تحالف روسي صيني فاعل وقادر على التأثير الكبير في صياغة النظام العالمي الجديد وطبيعة بنية القوة في هذا النظام، القائمة على طبيعة وصيغة التحالفات فيه، وعناصر القوة التي تمتلكها أطراف هذا التحالف.

من هنا، بدا الاهتمام بتعزيز وتطوير التعاون بين الناتو، كما دلَّت قمة واشنطن، و«مجموعة الأربع في المحيطين الهندي والهادئ»، وهي اليابان وأستراليا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية. لتكون بمثابة نقطة الارتكاز الأساسية للحلف في مواجهة الثنائي الروسي الصيني في المنطقة، مع البحث في إقامة مركز تنسيق للحلف الأطلسي في اليابان لتعزيز ذلك التعاون.

قمة الناتو جاءت لتؤكد ما هو معروف، وقوامه استقرار منطق الحرب الباردة. الحرب التي تعود بعناوين وأشكال وصيغ مختلفة تغذي الحرب في أوكرانيا، وتتغذَّى عليها، والبحث في أفضل السبل لمواجهة الثنائي الروسي الصيني في هذه «الحرب» المتعددة الأوجه والعناوين والسبل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قمة الحلف الأطلسي والمسرح الآسيوي‬ قمة الحلف الأطلسي والمسرح الآسيوي‬



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib