هزيمة بطعم دهر

هزيمة بطعم دهر

المغرب اليوم -

هزيمة بطعم دهر

سوسن الأبطح
بقلم - سوسن الأبطح

خمسة أيام فقط، في يونيو (حزيران) 1967، كانت كافية لتستولي إسرائيل على سيناء والضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان السورية. يقال إن الأمر انتهى في الساعات الثلاث الأولى. دمرت إسرائيل 400 طائرة مصرية، واتصل الجنرال وايتسمان، قائد القوات الجوية الإسرائيلية بزوجته، ليقول لها: «لقد انتصرنا». كل الأراضي الشاسعة التي احتلتها إسرائيل بعد ذلك، كانت نتيجة للغارات المباغتة الأولى التي كسرت الإرادة العربية.

قبل 1967 كان الشعور قوياً بأن إسرائيل مؤقتة. بن غوريون نفسه يوم إعلان الاستقلال، هرب إلى منزله في تل أبيب وكان يرتجف خوفاً ويعتقد أن الجميع سينتهي إلى القتل.

عانى يهود إسرائيل الأوائل الفاقة، والوقوف في طوابير المساعدات، وتعثّر الهجرة. مساحة صغيرة، وكيبوتسات اشتراكية، ونداءات بالتضحية والزهد والإيثار. قبل حرب يونيو كانت أزمة اقتصادية خانقة، وارتفاع قياسي للبطالة.

في هذه الأجواء، عمدت الحكومة الإسرائيلية، إلى تضخيم التهديدات العربية، والتأكيد لمواطنيها أنهم في خطر شديد، وأن الهجوم عليهم بات محتماً. وهو ما جعل بدء الحرب من قِبل إسرائيل مقبولاً، لا، بل ضرورياً. بعد الحرب بسنوات، اعترف قادة إسرائيل وبينهم إسحق رابين بأن القوات التي وضعها عبد الناصر في سيناء، لم تكن كافية للقتال، وأنه لم ينوِ الحرب، وأن الجيوش العربية من الضعف، بحيث لم تكن تشكل خطراً. وتحديداً لهذا السبب بادر الجيش الإسرائيلي بالهجوم منتهزاً الفرصة. كذبة صهيونية جديدة للاستيلاء على المزيد من الأراضي.

انتصار فاق التوقعات، حتى صوره المتدينون بأنه إلهي ومعجزة. لم يكن للقدس اعتبار كبير في نظر الصهاينة العلمانيين المؤسسين، ولولا اندفاعة الجيش لم يكن موشي ديان راغباً في الاستيلاء عليها. لكن مشهد المتشددين واحتفالهم بعودة المدينة القديمة إليهم وهم يقفون أمام حائط المبكى، جعلت أشد العلمانيين اليهود يتأثرون بهذا النصر المبين.

حرب تسببت بتحولات هائلة لإسرائيل والعرب معاً. ظهر جيل جديد من الصهاينة، يميل إلى مسيحانية دينية. لم تعد الديمقراطية هاجساً ولا الحرية موضوعاً. من هنا بدأت فورة بناء المستوطنات كأنها ضرورة بتواطؤ من موشي ديان، وبدعم من متطرفي حزب العمال، مقابل هدم ما أمكن من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين للتخلص منهم.

نصر جلب لإسرائيل تنمية اقتصادية غير مسبوقة، حيث وصل النمو إلى أرقام قياسية، وسرعان ما ظهرت الصناعات المتطورة. انتعاش، شجع المزيد من الدياسبورا للهجرة إلى إسرائيل والمستثمرين للرهان على مستقبل اليهود في المنطقة. وفي السنوات الأخيرة قبل حرب غزة، اختنقت تل أبيب بالازدحام السكاني، وبدأ التمدد صوب الضفة، مما عجّل بأعمال العنف لاقتلاع أكبر عدد من الفلسطينيين.

لم تكن حرباً في 1967، حسب مؤرخة إسرائيلية، بل أشبه باستيلاء سلمي. إذ إن الجيوش العربية لم تقاتل فعلياً، ولم تفقد إسرائيل أكثر من 800 جندي. وأهل الضفة كانوا عزلاً، وبقي الفلسطينيون وقتاً طويلاً تحت وقع صدمة الهزيمة قبل أن يلتقطوا أنفاسهم. كان لا بد من انتظار السبعينات، حتى تبدأ نواة الغضب تتبلور، لكن غابت إرادة العرب القديمة بالقتال. وتوالت بعد حرب رمضان 1973 اتفاقيات السلام، ومفاوضات لم تفضِ إلى شيء. ذلك «لأن دولة فلسطين لم تكن يوماً موجودة في قاموس إسرائيل»، كما قال وليد جنبلاط. كل ما شهدناه من استعراضات سلام كان بحسب الباحثة الإسرائيلية نوريت بيليد الحنان «مجرد غطاء للتعمية على عمل الجرافات التي لم تتوقف عن هدم المنازل الفلسطينية وتشييد المستعمرات».

فبمجرد دخول إسرائيل القدس، طردت 600 فلسطيني يقطنون مقابل حائط المبكى، وهدمت البيوت وجرّفت أراضي.

أوهمت إسرائيل الجميع، أنها استولت على الأراضي، كي تقايض بالسلام، من أجل مستقبل المنطقة، لكنها كانت كذبة أخرى جديدة.

بعد 57 عاماً من النصر الساحق، والنشوة العمياء، تنفجر مأساة غزة، كواحدة من ذيول حرب 1967 الإسرائيلية الجشعة، بينما الضفة على حافة انفجار.

هل كتبت إسرائيل بداية نهايتها حين قررت أن تتحول دولةً خارجةً على كل قانون، منتهكة لكل عرف، ومن كيان ضعيف مهيض، إلى آلة قتل متوحشة؟

لا تزال النكسة مستمرة، لكنها تأخذ أبعاداً مفاجئة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هزيمة بطعم دهر هزيمة بطعم دهر



GMT 16:18 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

أعظمهم... وبلا موهبة

GMT 16:15 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

سينسحب «حزب الله»

GMT 16:13 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

الهجرة... وسيلة أم غاية؟

GMT 16:11 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

ما لا نحب أن نعرفه عن القضية الفلسطينية

GMT 16:10 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

حرب نتنياهو: خصوصيّات غير خاصّة

نجوى كرم تُعلن زواجها أثناء تألقها بفستان أبيض طويل على المسرح

بوخارست - المغرب اليوم

GMT 13:35 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:23 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

مصنع تيسلا ينتج كميات كبيرة من خلايا بطارية ليثيوم أيون

GMT 11:28 2015 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

قطيع غنم يفاجئ طلاب ثانوية في تاوريرت بدخوله إلى مدرستهم

GMT 00:20 2016 الخميس ,06 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة حلى الفقع

GMT 15:53 2014 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

القرفة تساعد فى وقف تقدم مرض الشلل الرعاش

GMT 04:44 2017 الثلاثاء ,06 حزيران / يونيو

"المكرمية" فن كامل يتصدر أحدث صيحات ديكور صيف 2017

GMT 13:37 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

من أي معدن سُكب هذا الدحدوح!
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib