أنت السابق ونحن اللاحقون

أنت السابق ونحن اللاحقون

المغرب اليوم -

أنت السابق ونحن اللاحقون

مشعل السديري
مشعل السديري

فقد الوطن رجلاً من خيرة أبنائه، وفقدت أنا صديقاً من أعز وأنبل أصدقائي، إنه الدكتور (فؤاد عزب) الذي توفي في أميركا، وكنت أتواصل معه أسبوعياً بالتليفون للاطمئنان على علاجه، وتفوق علي الصديق المشترك (محمد البيز)، الذي أصر على مرافقته إلى هناك، وقضى معه عدّة أشهر.

والدكتور فؤاد شارك في الإشراف على إنشاء المستشفى الجامعي بجدة، وعمل في مستشفى (بخش)، ثم في مستشفى (المتحدون)، وأخيراً في مستشفى (المشفى)، كان يعطي ولا يأخذ ويضحي ولا يستأثر، محب للحياة رغم صدماتها، إنه إنسانشبه متكامل، والكمال لله وحده، ومن آخر مقالاته التي يكتبها في (عكاظ)، اسمحوا لي أن أقتطع لكم جزءاً منها، لتتعرفوا على تلك العاطفة الجياشة في أعماقه، حيث يقول عن نفسه:

أنا للأسف غجري في تقاليدي فيما يخص الإناث، فالغجر لا يفرحون أو يحتفظون بمواليدهم الذكور، بينما يتباركون ويفرحون بالإناث، فأقوام الغجر تعتبر النساء رزقاً ووطناً، وأنا كذلك، حرمت الإناث بناتاً، وعوضني الله إياهن حفيدات، فتعلقت بهن، وأصبحت مسكوناً بهن.

وفي إحدى المرّات طلبت حفيدتي سارة أن أقص عليها قصة، فبدأت بحكاية الغراب المغرور، والثعلب الماكر الذي انتزع منه الجبنة بدهائه وحيلته، فما إن فتح الغراب فاهه ناعقاً (قاق... قاق) حتى سقطت الجبنة، فالتقطها الثعلب فاراً فرحاً بما جنى، استغرقت (سارة) في الضحك الطفولي، وسألتها متودداً: أأعجبتك القصة؟!، أجابت: نعم يا جدو حلوة. فسألتها: ومن أحببت أكثر الغراب أم الثعلب؟، قالت: الثعلب يا جدو. قلت: حسناً، أنت ماذا تحبين أن تكوني؟ أجابتني: ثعلب بالطبع يا جدو، لأنه شاطر وداهية وعفريت، ثم أغمضت أميرتي عينيها، وغمرها السكون والهدوء وراحت في سبات عميق.

يا الله ما أجملها مسندة رأسها إلى الوسادة مبتسمة تحتضن العالم بكلتا يديها، وأنا أمسح على رأسها وشعرها الأشقر المفلفل المتناثر على كتفيها! أي حفيدتي لقد أحسنت صنعاً، عندما اخترت أن تكوني ثعلباً، لا غراباً في هذا الزمان، فالمستقبل ليس للأيدي اللينة التي تنتج قمصاناً بيضاء، المستقبل ليس للبراءة لأنها نقيضه، لذلك الورم الذي طفح على جلد الأرض، واكتنز بالصديد، والبكتيريا الملوثة، والعفن، والسموم.

رحمك الله يا فؤاد، وعزائي الصادق أولاً لزوجته المكلومة أم فراس، التي تحملّت معه في حياته الحلوة والمرّة من دون أن تهن أو تتبطّر، وقد سمعته أكثر من مرّة وهو يفخر بها علناً أمام الجميع. وعزائي كذلك لابنيه وكل أصدقائه.
رحمك الله يا فؤاد، ولكل أجل كتاب، أنت السابق ونحن اللاحقون.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أنت السابق ونحن اللاحقون أنت السابق ونحن اللاحقون



GMT 16:07 2024 الجمعة ,28 حزيران / يونيو

دائرة واحدة

GMT 16:04 2024 الخميس ,27 حزيران / يونيو

لا تُبعدوا لبنان عن مفاوضات ما بعد غزة!

GMT 16:03 2024 الخميس ,27 حزيران / يونيو

حروب الاسترداد

GMT 16:01 2024 الخميس ,27 حزيران / يونيو

كيف يكون الحل سودانياً؟

GMT 15:59 2024 الخميس ,27 حزيران / يونيو

جبل منيخ في السعودية

درّة تتألق بفستان من تصميمها يجمع بين الأناقة الكلاسيكية واللمسة العصرية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:49 2023 السبت ,29 تموز / يوليو

ضفضة_مؤقتة

GMT 10:21 2022 الإثنين ,17 تشرين الأول / أكتوبر

ميسي في صدارة أكثر 10 لاعبين تتويجًا بالكرة الذهبية

GMT 09:18 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

نانت يواجه ستاد بريست في الدوري الفرنسي اليوم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib