السُّويد جائزة الأمس ومشهد اليوم
عاصفة شتوية قوية تضرب شمال أميركا وتتسبب في انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر في الجنوب الكشف عن خطة إسرائيلية أعدتها جمعيات استيطانية لإنشاء مدن جديدة وتوسيع مستوطنات في الضفة الغربية خلال فترة ولاية ترامب قمة دول الخليج العربي تُطالب بوقف جرائم القتل والعقاب الجماعي للمدنيين في غزة ورعاية مفاوضات جادة لوقف الحرب جماعة الحوثي تنفذ عملية ضد هدف حيوي في منطقة يافا بفلسطين المحتلة بصاروخ باليستي فرط صوتي الجيش الروسي يُحرر بلدتي بيتروفكا وإيليينكا في جمهورية دونيتسك الشعبية استشهاد 4 فلسطينيين بينهم طفل في قصف طيران الاحتلال الإسرائيلي لمجموعة من المواطنين في خان يونس بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت اتحاد طنجة لكرة القدم الشاطئية يتأهل إلى مرحلة البلاي أوف من البطولة الوطنية الرجاء الرياضي ينعي وفاة مشجعين للفريق في حادث سير بعد مباراة الجيش الملكي في دوري أبطال إفريقيا موريتانيا تفرض غرامة ثقيلة على فرع "اتصالات المغرب" بسبب جودة الخدمات
أخر الأخبار

السُّويد... جائزة الأمس ومشهد اليوم

المغرب اليوم -

السُّويد جائزة الأمس ومشهد اليوم

رشيد الخيّون
بقلم : رشيد الخيّون

صار حرق المصحف الشريف ظاهرة ببلد عريق في حرياته وديمقراطيته مثل مملكة السُّويد؛ مملكة قصدها اللاجئون مِن مختلف بقاع العالم، حيث يوجد التَّوتر، أو انهيار الاقتصاد، وحصة المسلمين بينهم الأكبر. فسمحت السُّويد بتشييد المساجد والمعابد، بعرضها وطولها، ولكلّ عقيدة دينية حقها في ممارسة طقوسها، مثل بقية بلدان القارة الأوروبيَّة، غير أنَّ الوجود الدّينيَ المختلط، وبهذه الكثافة، بحاجة إلى ضمان قانونيّ لحمايته، والحول دون تحوله مِن نعمة التَّعايش والتّساكن إلى نقمة الكراهيَّة، بإثارة الغرائز المتطرفة، التي طالما توجعت منها السُّويد والعالم بأسره.

أخذ كتاب المسلمين، وهو تاج مقدساتهم، يُهان بالحرق بين فترة وأخرى، مارسه متشدد، لا يقل عن متشددينا إيذاءً، يدعى راسموس بالودان، ومارسه اليوم سويدي بالتجنيس يدعى داس سلوان موميكا، ولأن السُّويد بلد قانون وشريعة مدنيّة، لا يمارس التّظاهر فيها إلا بإجازة مِن شرطتها، وبالتّالي يكون الحرق قد تم بموافقة رسمية، وهذا ما نفهمه، وليس لنا بالتفاصيل.

بيد أنّ الأغرب والأعجب أن يحصل هذا التصعيد بالكراهيَّة ضد المسلمين، وقد كان ملكها في القرن التَّاسع عشر خصص جائزتين لأعمال بحثيّة وثقافيّة تخص الشرق الإسلاميّ، خصصهما الملك أوسكار الثَّاني (توفي عام 1907) ملك السُّويد - كانت والنّرويج مملكة واحدة - جائزة تمنح لمَن يؤلف كتاباً في تاريخ تمدن العرب قبل الإسلام، ففاز العلامة محمود شكري الألوسي (توفي عام 1924) بكتابه «بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب».

قدمت عدة أعمال، لكن الجائزة ذهبت إلى الألوسيّ، وقد أرخ تلميذه محمَّد بهجة الأثري للجائزة التي حصل عليها أستاذه. كُلفت قنصلية السُّويد بالقاهرة بالمراسلات والتنسيق. وصلت رسالة موقعة مِن قِبل القنصل بالقاهرة، الكونت كرلو دي لندبرغ، إلى الألوسي، مؤرخة في الرَّابع مِن يوليو (تموز) 1882، وبعدها بحين استلم البشارة بنيله الجائزة في رسالة أخرى مِن القنصل نفسه المؤرخة في الخامس مِن نوفمبر (تشرين الثَّاني) 1889 (أعلام العِراق سيرة الإمام الألوسي الكبير).

كان الوسام أو الجائزة ممهورة باسم الملك أوسكار الثَّاني، وقد أشارت مجلة «الهلال» المصريَّة إلى اهتمام الملك بالآداب الشّرقيَّة، وزينت الجزء السَّادس منها، بصورة الملك، في عددها 15 نوفمبر (تشرين الثَّاني) 1897 موشحة بعبارة «نصير العلم والأدب وخصوصاً الآداب الشَّرقية».

حضر وفد مصري للمشاركة في المؤتمر العلمي للمستشرقين (1889)، المقام باستوكهولم، الذي أعلن فيه الفائزون، فيرصد أحد مرافقي الوفد يوميات رحلته إلى أوروبا، ويُصنف فيها كتاب «إرشاد الألبَّا إلى محاسن أوروبا» (مطبعة المقتطف 1892). كان ضمناً قد رصد ندوات المؤتمر وجلساته، تعذر على الألوسي الحضور، فتلي أمر الملك: «منح مؤلف (بلوغ الأرب) الميدالية الذَّهبية المعدة للفنون والعلوم، ليحملها على صدره معلقة في شريط واز (هكذا وردت)، وسترسل تلك الميدالية إلى الشَّيخ الألوسي بواسطة سفير مملكة السُّويد والنَّرويج (بالقاهرة)» (إرشاد الألبَّا، ص 626).

أنجز الألوسي كتابه «بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب»، حسب خاتمته في نهاية الجزء الثَّالث منه عام 1304هـ/1887م، أي عمل فيه عاماً كاملاً مِن تاريخ تكليفه، ثم نُشرت طبعته الأولى عام 1314هـ/1896م، وذلك حسب مقدمة الكتاب للأثري، طُبع بثلاثة أجزاء. بعد إنجاز الكتاب أُرسلت مخطوطته، وفاز بالجائزة. مِن فحوى الرسالة الأولى يغلب على الظَّن أن الألوسي كان قد عمل في مثل هذا الكتاب قبل التكليف، أو كان لديه مخططٌ أرسله، فجاءت الموافقة على العمل فيه، أو أن رسالة التكليف لم يعثر عليها الأثري وينشرها، كلُّ هذا وارد.

تسلم الألوسي رسالة من القنصل العام لمملكة السُّويد بالقاهرة؛ يبلغه فيها بفوز كتابه في المسابقة والجائزة الملكية، جاء فيها:

«حضرة العالِم الفاضل السَّيد محمود شكري أفندي أعزه الله. أيد الله الأستاذ وشرح بالمعارف صدره، ورفع بالكمالات قدره، ولا زالت تُحييه المعالي، وتخدمه بأبيضها وأسودها الأيام والليالي. نكتب إليه وفضله لدينا أظهر مِن الظُّهور، وأشهر مِن كلِّ مشهور، معتقدين أن يسرّ بما نتلوه عليه، إذا ألقى بمقاليد سمعه إليه، وذلك أن كتابه بلوغ الأرب جليل في بابه، وقد استحق التقدم على أضرابه، فإن جميع الكتب التي وصلتنا، في هذا الصَّدد، مع ما بلغت إليه مِن كثرة العدد، واختلاف مصادرها شرقاً وغرباً، وبُعداً وقُرباً، مِن أوروبا ومصر والشَّام والعِراق، وغيرها مِن الآفاق، لم يحصل سواك في أربابها أحد، على تلك الجائزة، التي سبق بها الوعد، لأن الموضوع واديه عميق، بعيد الطَّريق، غير أن كتاب الأُستاذ أجمع الكلَّ مادةً، وأوسعها جادةً، فلذلك أنعم عليه صاحب الجلالة مولانا ملك السُّويد والنَّرويج بنيشان مِن ذهب، أخضر العلاقة لا أخضر الجلدة مِن بينت العرب، وهذا النّيشان لا يناله إلا عالم فاضل، وقد خُصص به الأستاذ دون سواه على كثرة الآمل. فيجعل صدره له حلية، وليفخر به على نظرائه، فإنما يُحسن الفخر على العلية. وليعلم أننا قد عزمنا على طبع ذلك الكتاب، تخليداً لمآثر صاحبه في خزائن الأدب، فلينشط لمثله همته، وليُجرد على أعناق الخمول عزمته، والسَّلام عليه ورحمة الله» (القاهرة 12 ربيع الأول 1307هـ المصادف 5 نوفمبر/ تشرين الثَّاني 1889م).

تمعنوا في فقرات رسالة القنصل ووكيل مملكة السّويد أعلاه، وما بها مِن اهتمام وموضوعيَّة، ومحاولة اقتراب مِن الشّرق الإسلاميّ، وانظروا إلى ما يمارس على أرض تلك المملكة مِن تهييج للمشاعر، واتجار بالكراهيات، والدولة السُّويدية قادرة على لجم مثل هذا التَّهور بالحريات، فما حصل سيترجم وبطرفة عين إلى دماء وأشلاء.

أقول أين سويد الأمس عن سويد اليوم؟! سيقول قائل: إنها الحرية والتعبير عنها، ولكن على ما يبدو أنّ ضرر التَّضييق على الحريّة، الذي تدافع عنه السّويد، كبلد حريات، لا يختلف بشيء عن فوضى التَّعبير عنها، وبإجازة رسميَّة. يوم منحت الجائزة، التي وصلت إلى محمود شكري الألوسيّ، مِن السّويد عبر القاهرة إلى بغداد، لم يعرف عنها إلا قلة مِن النَّاس، قد لا تتعدى الحاضرين في احتفال إعلانها، لكن «حرق المصحف» اليوم علم به العالم بأجمعه، وبالصورة والصّوت، فأقطاب الأرض واتجاهاتها الأربعة طويت كأنها الخاتم. فكيف يكون حرق كتاب يقدسه أكثر مِن مليار إنسان حرية تعبير؟! إن مثل هذا الفعل، الذي أضاع ما سعى إليه ملوك السّويد الأوائل، سيوّلد كراهيات، ويؤسس لجماعات متطرفة، تنتظر استفزازاً يستفزها، كي تعود التفجيرات والكارثيّة، وكأن هناك مَن خسر وجودها مِن ساسة الغرب!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السُّويد جائزة الأمس ومشهد اليوم السُّويد جائزة الأمس ومشهد اليوم



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين

GMT 08:25 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

نتائج القسم الثاني لكرة القدم بالمغرب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib