مفتاح الشخصية المصرية

مفتاح الشخصية المصرية!

المغرب اليوم -

مفتاح الشخصية المصرية

محمد أمين
بقلم : محمد أمين

عندما كتب جمال حمدان كتابه الشهير «شخصية مصر»، ذكر أن الكلمة المفتاح فى شخصية مصر الطبيعية هى البساطة، بساطة تتجلى فى بنيتها وسمات وجهها، فكانت تضاريسها ممتدة إلى مناخها وقاعدتها الجيولوجية الراسخة القديمة، لم تتعقد عملية بنائها، إنما خضعت لإيقاع منتظم يتراوح بين الإضافة والإزالة فى علاقة متواترة بين البحر واليابس، ويأتى أخيرا النهر ليضيف إلى صحراويتها تأثيره الخاص على طول مجراه متمثلا فى الوادى والدلتا والفيوم!.

ولو عاش «حمدان» ليكتب شخصية مصر من جديد، ما غير حرفا فى كتابه وإنما قد تستهويه مفاتيح أخرى، لم يتطرق إليها فى كتابه الأول، لا يتعلق بالطبيعة والتضاريس، والجيولوجيا، والبساطة، وإنما يتعلق بحالة الإنسان وانسجامه مع الواقع وطريقته فى الزراعة وتقاعسه عن التقدم وتماهيه مع الحياة كأنه دخيل على مصر، وليس ابنها البار الذى كانت تضرب به الأمثال فى الزراعة والإنتاج والإبداع!.

أقصد توثيق رؤيته عن «عبقرية مصر»، فقد نال بعد وفاته بعضا من الاهتمام الذى يستحقه، إلا أن المهتمين بفكر جمال حمدان صبوا جهدهم على شرح وتوضيح عبقريته الجغرافية، متجاهلين فى ذلك ألمع ما فى فكر حمدان، وهو قدرته على التفكير الاستراتيجى!.

لم تكن الجغرافيا لدية إلا رؤية استراتيجية متكاملة لكل تكوين جغرافى وبشرى وحضارى ورؤية للتكوينات وعوامل قوتها وضعفها، وهو لم يتوقف عند تحليل الأحداث الآنية أو الظواهر الجزئية، وإنما سعى إلى وضعها فى سياق أعم وأشمل وذى بعد مستقبلى أيضا!.

ومن هنا فان جمال حمدان عانى مثل أنداده من كبار المفكرين الاستراتيجيين فى العالم، من عدم قدرة المجتمع المحيط بهم على استيعاب ما ينتجونه، إذ إنه غالبا ما يكون رؤية سابقة لعصرها بسنوات، وهنا يصبح عنصر الزمن هو الفيصل للحكم على مدى عبقرية هؤلاء النفر من علماء الاستراتيجية!.

وإذا ما طبقنا هذا المعيار الزمنى على فكر جمال حمدان، نفاجأ بأن هذا الاستراتيجى كان يمتلك قدرة ثاقبة على استشراف المستقبل، ففى عقد الستينيات، وبينما كان الاتحاد السوفيتى فى أوج مجده، والزحف الشيوعى الأحمر يثبت أقدامه شمالا وجنوبا، أدرك جمال حمدان، ببصيرته الثاقبة، أن تفكك الكتلة الشرقية واقع لا محالة، وكان ذلك فى 1968 م، فإذا الذى تنبأ به يتحقق، وحدث الزلزال وانتهى الأمر بانهيار أحجار الكتلة الشرقية، وتباعد دولها الأوروبية عن الاتحاد السوفيتى، ثم تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتى نفسه عام 1991 م!.

باختصار، نحن فى حاجة إلى أمثال جمال حمدان من المفكرين ليقولون لنا أين نحن؟.. وإلى أين نتجه؟، فى ظل ظروف دولية معقدة وأزمة اقتصادية طاحنة، فإذا كان قد توقع تفكك الاتحاد السوفيتى فيمكن أن يقول لنا ماذا يجرى فى دول حوض النيل، وتأثير ذلك على مصر!، كما أنه يمكن أن يفسر لنا ما يراه من تأثير وحدة الوطن علينا فى المستقبل

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفتاح الشخصية المصرية مفتاح الشخصية المصرية



GMT 22:13 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

الحقّ الفلسطيني وحياة القادة وموتهم!

GMT 20:38 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

وسواس العظمة يفسد الناس

GMT 20:34 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

عودة «النووي» الإيراني إلى الواجهة

GMT 20:29 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

نكسة لبنان الرقمية

GMT 20:25 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

الحل الإقليمي للقضية الفلسطينية

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 17:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء
المغرب اليوم - 5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء

GMT 16:13 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي
المغرب اليوم - أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي

GMT 13:16 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

التعرض إلى الضوء في الليل يُزيد من خطر زيادة الوزن
المغرب اليوم - التعرض إلى الضوء في الليل يُزيد من خطر زيادة الوزن

GMT 18:43 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

محمد إمام يتعاقد على فيلم جديد بعنوان "صقر وكناريا"
المغرب اليوم - محمد إمام يتعاقد على فيلم جديد بعنوان

GMT 20:49 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:54 2020 الأربعاء ,10 حزيران / يونيو

لجنة أمنية تتفقد "المركز الجهوي للامتحانات" في فاس

GMT 20:25 2020 الأحد ,07 حزيران / يونيو

نصائح لاختيار أرضيات المنازل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib