ما بين كييف وغزة

ما بين كييف وغزة!

المغرب اليوم -

ما بين كييف وغزة

محمد الرميحي
بقلم - محمد الرميحي

هل يمكن المقارنة بين كييف العاصمة الأوكرانية، وغزة؟ المكانان كلاهما اليوم تقريباً بيوت أشباح وهياكل مبانٍ، بعد الحجم الضخم من القنابل والمتفجرات التي ضُربت عليهما، يقدر بعضها أنه يساوي أو ربما يفوق ما يفعله عدد من القنابل النووية، وهنا فقط تنتهي المقارنة، رغم أن المكانين هما «كمذبحة بشرية» من دون تجاوز عشرات الآلاف من القتلى في المكانين، وهما أيضاً يعتبران فضاء لاحتمال التفاوض.

لماذا تنتهي المقارنة هنا؟ «فقط لأنهما تتماثلان في آلاف القتلى وكمدن أشباح»، فالباقي مختلف كلياً. أوكرانيا مدعومة من الغرب مالياً وعسكرياً وإعلامياً، وهو غرب غني، وأيضاً لها قدرة على التواصل مع الآخرين، ومقبولة من الجميع، يسافر رئيسها إلى معظم دول العالم من شرقه إلى غربه، وأيضاً الشعب الأوكراني موحد في أغلبه ضد الهجوم عليه من الخارج، ولكنه في نفس الوقت غير قادر على تحقيق النصر، بسبب مواجهته لقوة قاهرة أكبر منه وأقوى، لذلك فإن التفاوض على تسوية ما سيكون هو النتيجة الحتمية المتوقعة، والتفاوض سيكون بين الأوكرانيين والروس، ليس بين فصيل أوكراني، أو مجموعة مسلحة أوكرانية.

تناقض واضح في الجانب الآخر، فصورة «حماس» في الغرب ولدى كثير من الشعوب والحكومات الغربية سلبية، بل إن بعض أبناء «حماس» قد هجروها والتجأوا إلى الغرب وفضح بعضهم الكثير من ممارساتها، ولقد تلقى الإعلام الغربي منذ سنوات قليلة كتاب مساعد حسن يوسف، ابن الشيخ حسن يوسف الحماسي، بترحاب كبير، إلى درجة أن ما جاء في ذلك الكتاب تحول إلى فيلم سينمائي. وقد يرى البعض أن ذلك أمر طبيعي بسبب هيمنة الصهيونية على الإعلام والسياسة الغربية، وقد يكون ذلك صحيحاً، إلا أن الإشارة إلى القصور لا تنتهي هنا، بل تتعدى ذلك إلى امتناع تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية التاريخي، والتي طالب ويطالب بها كل من له علاقة إنسانية أو عاطفية أو سياسية بالقضية الفلسطينية، وما ظهور «منظمة التحرير» إلا بعد عناء طويل من الفرقة، ثم ما لبث أن ظهرت منها تشعبات، تعيد سياسة الفرقة من جديد. فـ«حماس» تقاتل وحدها، و«حماس» أيضاً ترى أن لها علاقة وثيقة بما يسمى في الأدبيات العربية السياسية بـ«محور المقاومة» بقيادة إيران، فهي تضع حاجزاً بينها وبين الآخرين من العرب، أو قل معظمهم، وهو حاجز سياسي آيديولوجي لا مبرر له، ويفتح جبهة هي ليست بحاجة إليها، بل تضع أيضاً بينها وبين فصائل فلسطينية وازنة نفس الحاجز، وهي في أدبياتها وتصريحاتها تحرض على الخلاص من أنظمة قائمة في الجوار العربي، غير عابئة بكل التأييد الذي قدمته وتقدمه تلك الأنظمة إلى القضية، فهي تخوض صراعاً آيديولوجياً، في الوقت الذي من المفروض أن تخوض مع غيرها صراع تحرر وطني عابر للآيديولوجيا.

إذاً، الدرس واضح، بين ما هو في أوكرانيا من مسار ومصير، وما هو في غزة، مسار ومصير؛ الأولى تتفاعل بإيجابية مع معظم المحيطين بها من دول وشعوب، و«حماس» تتفاعل بسلبية مع معظم من يحيطون بها، على الأقل من دول، حتى مصر التي هي طرف في المفاوضات الحالية، وكانت طرفاً في كل المفاوضات السابقة، وقدمت الكثير للقضية؛ حتى هذا البلد العربي الكبير، لم يخلُ من التجريح تلميحاً أو تصريحاً من بعض قادة «حماس»، فضلاً عن دول عربية أخرى كثيرة نالها الكثير من النقد غير المنصف، في محاولة لتأليب شعوبها على حكوماتها، وهي عملية باءت بالإفلاس سابقاً، ومآلها إلى الإفلاس لاحقاً.

من الواضح أن المفاوضات بين «حماس» (بالواسطة) وإسرائيل (بالأصالة) قد قربت إلى نهاية، حتى لو زُينت النتيجة النهائية بكل كلمات الفخر والنصر، فإن النتيجة لـ«حماس» «خسارة»، فهي في الغالب لن تبقى المسيطرة على غزة، ولن تبقى مسلحة، وكلما طال عنادها السياسي تكبدت القضية كلها النكبات، وقُتل عدد أكبر من الفلسطينيين في غزة، كباراً وصغاراً ونساء.

الخطوة الشجاعة المطلوبة لن تقبلها «حماس»، وهذا ما يجعل الصلف الإسرائيلي يتمادى في القتل والتصفية، وهي خطوة تكوين الجبهة الأوسع من الفلسطينيين، والتي فشلت في أن تكون، ليس مرة واحدة، ولكن لمرات عديدة.

كل ما حدث من تدمير في غزة تتحمله إسرائيل، وقد تحولت قطاعات واسعة، للمرة الأولى في الغرب، ضد تلك الدولة، التي تصرفاتها تشبه بتصرفات النازية من خلال الإبادة التي تقوم بها لأكثرية الفلسطينيين العزل، كما تحولت نخبة من اليهود الغربيين عن مناصرة إسرائيل، وذلك ساعد في تحوّل شبه نوعي في الإعلام والسياسة الغربية حتى الساعة، للتوافق على دولة فلسطينية.

الفرصة متاحة الآن من أجل طرح مشروع فلسطيني على نطاق واسع عابر للمصالح الضيقة للفصائل، وأيضاً متوافق عليه بين كل الجماعات الفلسطينية السياسية، آخذين بعين الاعتبار ما أكده التاريخ الإنساني المعاصر والسابق، وهو أن التعاطف، بخاصة السياسي، لا يدوم، وأن تغيير الرأي العام ممكن، وأن النصرة الملموسة اليوم قد تفتر في المستقبل.

لذلك فإن الوقت هو وقت التفكير السياسي الحصيف، كما أنه ليس وقت التضحية بالمجان بأنفس بريئة قدمت كل ما لديها، حتى تراكمت الجثث وتحولت المدن في غزة إلى خراب.

المؤسف أن الأصوات المطالبة بالتفكير الحصيف تضيع في البرية، بل تُتهم بالمروق، ويختلط الصوت التراثي بالسياسي بالعاطفي في «هوجة» تدعي هزيمة الآخر، وهي تمنيات لا أكثر، سوف يشهد مطلقوها الكثير من الصدمات بعد حين، ومن دون أن يتنبه القوم من أجل الاستفادة السياسية القصوى من التعاطف العالمي الحالي، بمخاطبة العالم بالعقل والروية، ويقدم مشروعاً وطنياً جامعاً قابلاً للنصرة من العالم؛ فمن دون ذلك فقد تفوت الفرصة، كما فاتت فرص أخرى، في ضوء تغيرات دولية كبرى تشهدها تلك المجتمعات، وضوء التحول إلى صراعات متعددة المستويات أخرى يلتفت إليها العالم، كما أن الصراعات في الغرب قد تؤدي إلى تغيرات سياسية داخلية وشيكة، تتجاوز القضية، إنها فرصة قد لا تتكرر، فهل يستفاد منها؟

آخر الكلام: القوى الاختزالية المرعبة هي التي تهدد الشيء الأكثر نبلاً في الإنسان!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بين كييف وغزة ما بين كييف وغزة



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib