الورود لمن يتدخل

الورود لمن يتدخل!

المغرب اليوم -

الورود لمن يتدخل

محمد الأشهب

لم يمض وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لورديان أعياد الميلاد، برفقة جنود بلاده في قاعدة عسكرية شمال النيجر، إلا للتأكيد أن باريس تنظر إلى التطورات المتلاحقة في المنطقة، وبالذات على مشارف الحدود بين ليبيا وبلدان الساحل بقلق شديد، وأن ما يشابهها في المخاطر الأمنية والاستراتيجية دفعها إلى التدخل عسكرياً في مالي.

لكن عملية «سيرفال» لم تكن منفردة، وحازت قبل كل شيء على تفويض مجلس الأمن الذي عبد الطريق أمام التدخل العسكري الفرنسي في مالي، في غضون الحصول على دعم إقليمي ودولي، أملته المخاوف الناشئة حيال تحول الساحل إلى «أفغانستان جديدة» لها طالبانها وقاعدتها وتماثيلها، بل إن جبال تورا بورا إنما انهدت بفعل الطبيعة وصارت صحراوية شاسعة، اتخذتها التنظيمات الخارجة عن القانون ملاذات آمنة.

الأصل في أزمة مالي أن البلاد تعرضت إلى تقسيم بين الشمال والجنوب، سيطرت خلاله تنظيمات متطرفة على أجزاء كبيرة في الشمال، وفرضت على السلطات أعرافها في المعاملات ونواميس أشد تطرفاً، ذهبت إلى حد الانتقام من الموروث الثقافي في الأضرحة ودور العبادة، كما فعلت طالبان مع تماثيل بوذا، ثم تطور الاستنساخ في اتجاه أبعد على رقعة بلاد الرافدين، ولم يكد العالم يلتقط أنفاسه في استيعاب أزمة عولجت بتطهير شمال مالي، حتى سقط شمال العراق تحت أقدام تتار جدد، استباحوا هدر قيم الحياة بناصيات الذبح والثأر وعصبية نزعات أشد إرهاباً وتطرفاً.

القاسم المشترك في تمدد الفتن الإرهابية إنما تتجه للإفادة من تضاريس التوتر المنتشرة، حيث الانفلات وغياب الاستقرار وعجز الدولة عن فرض سلطة القانون. ولا أحد في إمكانه الاطمئنان إلى أن ليبيا تسير في غير اتجاه تقسيم مناطق النفوذ الموزعة بين المليشيات وبعض معالم السلطة الشرعية التي ما فتئت تدعو المجتمع الدولي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

في وقائع لافتة أن السوفيات غادروا أفغانستان، يجرون أذيال الهزيمة، فانقضت الفصائل المتناحرة، موزعة الولاءات السياسية والعرقية على ما تبقى من غنيمة حرب تحرق الأصابع. وكان الانفلات الكبير الذي أدى إلى تغلغل طالبان و»القاعدة» والتنظيمات الباحثة عن ملاذات «الجهاد» ضد من تعتبرهم أعداء حقيقيين ومحتملين. كذلك قاد انسحاب الجزء الأكبر من القوات الأميركية من العراق إلى إحلال فراغ أمام عجز الدولة في أن يكون لها الجيش الذي يحمي حدودها وأمنها الداخلي.

والحال أن مغادرة نظام معمر القذافي أرض ليبيا تحت ضربات تحالف الثورة والحلف الأطلسي، ترتب عليه فراغ من نوع آخر. ولم تتمكن الفترة الانتقالية من أن تجعل الليبيين على مختلف انتماءاتهم وميولهم شركاء في بناء الدولة الجديدة، بل متنافسين في تخريب ما تبقى من معالم الدولة، النفط والمطارات والمعابر، وبدرجة أكثر عنفاً الإنسان الذي تدثره المخاوف من أن يعيش مثل الآخرين.

في الحالة العراقية، انبثق تحالف دولي، يقوم على استقراء المخاطر الإقليمية والدولية حيال تمدد ما يعرف بـ»الدولة الإسلامية»، كونها اعتمدت منطق تجزئة الكيانات الذي لا يمت بصلة إلى قيم ومقاصد الوحدة الإسلامية، وأضافت إلى ذلك ممارسات خطرة، لا تقيم وزناً لكرامة الإنسان، عدا أنها غذت نزعة مذهبية متطرفة، تقوم على مفاهيم عصية في تكفير الآخرين وفرض وصية راديكالية على المجتمع.

الأخطر من ذلك أنها تنفذ حرفية مخططات التجزئة في عمق العالم العربي بدقة متناهية، تتدثر بأشكال صراعات دينية ومذهبية وطائفية، لكن كيف تنبه العالم ذات حدث مفجع في حالة مالي إلى أن البداية ستكون بأطراف الامتداد العربي في اتجاه أفريقيا.

مع أنه لا يمكن الجزم بأن هذه المخاوف كانت وراء الحشد الدولي الذي دفع القوات العسكرية الفرنسية إلى التدخل في مالي، فإن التجربة الفرنسية تبدو مثيرة وقابلة للتكرار. إنها جزء من التحالف الدولي ضد «داعش»، لكنها أكثر انشغالاً بالأوضاع في مستعمراتها السابقة في أفريقيا. وإذ تتحرك وفق وتيرة متزايدة في الانشغال بما يحدث في ليبيا، من خلال محاولة تطويق لهيب الاحتراق على حدودها مع تشاد والنيجر، لا تبدو دول الجوار الأقرب في وارد تحركات موازية.

قد يكون وراء هذا الزخم حسابات فرنسية داخلية، وكما أن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي اتخذ دعم الثورة الليبية لإطاحة نظام العقيد معمر القذافي ورقة سياسية، من غير المستبعد أن يكون الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بصدد تقليب صفحات انهيار شعبيته. وقتها يصبح التدخل العسكري في ليبيا أكثر إلحاحاً من كل الضرورات الإقليمية. ويبقى الأمر مجرد افتراض، مع أن الليبيين على استعداد لنشر الورود وفرش السجاد الأحمر، أمام كل من يساعدهم في الخلاص من إنهاك متواصل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الورود لمن يتدخل الورود لمن يتدخل



GMT 19:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:29 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 19:25 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

GMT 19:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

خطيب العرابيين!

GMT 19:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

روشتة يكتبها طبيب

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أنجيلا ميركل؟!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib