قرار روسي مفاجيء يخلط جميع الاوراق

قرار روسي مفاجيء يخلط جميع الاوراق

المغرب اليوم -

قرار روسي مفاجيء يخلط جميع الاوراق

عبد الباري عطوان

قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسحب القسم الاكبر من القوات الروسية في سورية اعتبارا من الغد الثلاثاء جاء مفاجئا، وينطوي على الكثير من “التسرع″ مما يوحي بأنه جاء كرد فعل على “امر ما” اغضب القيادة الروسية.
الجانبان الروسي والسوري قالا في بيانات رسمية ان هذه الخطوة جرى اتخاذها بالتنسيق بين الرئيسين بشار الاسد ونظيره الروسي بوتين، لان هذه القوات الروسية “انجزت” مهمتها، ولكن السؤال هو لماذا الآن، ومع بدء مفاوضات جنيف للوصول الى حل سياسي للازمة السورية برعاية الامم المتحدة؟
هناك تفسيران لا ثالث لهما لمثل هذه الخطوة الروسية التي خلطت الاوراق، واحدثت حالة من الارتباك على الصعيدين الاقليمي والدولي:
الاول: ان تكون القوات الروسية انجزت مهامها فعلا بعد ان وفرت الغطاء الجوي لقوات الجيش العربي السوري على الارض، وبما مكنه من استعادة مناطق كثيرة خسرها للمعارضة المسلحة خاصة في ريف حلب الشمالي، واغلاق الحدود التركية السورية، ومحاصرة مدينة حلب، والمرحلة الحالية مرحلة وقف الاعتداءات والمضي قدما في محادثات السلام.
الثاني: ان تأتي هذه الخطوة الروسية “الغاضبة” كرد على التصريحات التي ادلى بها السيد وليد المعلم، وزير الخارجية السوري، يوم السبت الماضي، وقال فيها ان الرئيس الاسد خط احمر وملك للشعب السوري، ولا انتخابات رئاسية وبرلمانية دون اشراف الحكومة السورية، او تلك التي ادلى بها اليوم الاثنين السيد بشار الجعفري، رئيس الوفد السوري المفاوض، وقال فيها انه لا يوجد شيء اسمه مرحلة حكم انتقالي ولذلك لن يتم التفاوض بشأنها، واعتبار واشنطن هذه التصريحات اجهاضا للمفاوضات، وخرقا لتفاهماتها مع موسكو.
***
نرجح الاحتمال الثاني في ظل المعلومات غير الكافية، فروسيا ربما تعرضت لضغود شديدة من قبل “شريكها” الامريكي بسبب هذه التصريحات التي تعتبرها المعارضة وداعمها الامريكي نسفا لمفاوضات جنيف في يومها الاول، لان هذه المعارضة تصر على المرحلة الانتقالية لهيئة حكم بصلاحيات كاملة، ورحيل الرئيس الاسد قبل بدئها.
لا نجادل مطلقا بأن سحب “الجزء الاكبر” من مجموعة الطيران الروسي الحربي، وابقاء مركز مكلف بضمان تحليقات طيران بهدف “مراقبة” تنفيذ شروط وقف الاعمال القتالية، جاء بالتنسيق مع القيادة السورية، ولكن المهم في هذه العجالة ليس “التنسيق” وانما “سحب” القوات والطيران المفاجيء.
هناك عدة امور ربما تترتب على هذا القرار السوري ميدانيا وسياسيا، على الارض، وفي المحافل الدولية، ومفاوضات جنيف التي لم تبدأ بشكل جدي بعد:
اولا: انسحاب الجزء الاكبر من مجموعة الطيران الحربي الروسي، ومعظمها طائرات حربية قاذفة ومقاتلة حديثة ومتطورة مثل طائرة “سوخوي 35″ التي تضاهي نظيراتها الامريكية، سيحدث “فراغا”، والطائرات السورية قديمة وغير متطورة، فمن سيملأ هذا الفراغ؟ ولا يمكن ان تكون بديلا للغطاء الجوي الروسي.
ثانيا: ما هو موقف ايران من هذه الخطوة الروسية المفاجئة، وهل يمكن ان تعوض قواتها وطائراتها هذا الانسحاب الروسي؟
ثالثا: هل القرار الروسي هذا جدي ام انه محاولة للضغط على القيادة السورية للاستماع الى “نصائحها” مثلما طالب فيتالي تشوركين مندوب روسيا الدائم في الامم المتحدة قبل اسبوعين، في ذروة غضب حكومته على تهديد الرئيس الاسد في مقابلة مع وسيلة اعلام اسبانية بعدم وقف اطلاق النار ومواصلة الحرب على الارهاب حتى تحرير جميع الاراضي السورية؟
رابعا: ماذا سيحدث في مفاوضات جنيف بعد هذه الخطوة الروسية، بمعنى آخر هل ستتراجع السلطات السورية عن رفضها اي تفاوض حول خريطة الطريق التي اتفق عليها الجانبان الروسي والامريكي، وتنص على الحكم الانتقالي وتعديل الدستور واجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في غضون 18 شهرا؟ وهل ستضغط واشنطن على حلفائها في المعارضة للتراجع عن موقفها وتقدم تنازلات؟
نعترف بأننا فوجئنا، مثل الكثيرين، بهذا القرار المفاجيء والحاسم للرئيس بوتين، ونشعر ان هناك “ازمة” في العلاقات السورية الروسية، وصلت ذروتها قبل ايام من انعقاد مؤتمر جنيف بسبب تحفظات سورية على نقاط عديدة ابرزها ترك مصير الرئيس الاسد “غامض”، واعطاء صلاحيات كبيرة لحكومة المرحلة الانتقالية على حساب صلاحياته كرئيس للجمهورية.
ما يجعلنا نقول ذلك، التصريحات “الصقورية” التي ادلى بها السيد محمد علوش، كبير مفاوضي وفد الرياض المعارض، الذي اكد ان الرئيس الاسد يجب ان يرحل في العملية السياسية او يقتل، واكد فور وصوله الى جنيف انه ذاهب للتفاوض على استلام الحكم وليس قبول وزارة للزراعة او الصحة او بعض وزارات هامشية، فهذا “النفس″ لا يمكن ان يأتي من فراغ.
***
لا نعرف ما هي طبيعة التطورات في هذه “الازمة” التي ستظهر على السطح في الايام والاسابيع المقبلة، لكن ما نعرفه جيدا ان الرئيس الاسد مصمم على البقاء في قمة السلطة وبصلاحياته كاملة دون اي نقصان، وسيقاتل حتى النهاية مثل الرئيسين صدام حسين ومعمر القذافي، ومن الصعب ان نراه متنازلا عن الحكم لخصومه مهما كانت النتائج، والا لما تمسك بموقفه هذا طوال السنوات الخمس الماضية من عمر الازمة.
الايام المقبلة حافلة بكل انواع المفاجآت، والعيون والآذان الآن مصوبة نحو طهران وموقفها، وردة فعلها تجاه القرار الروسي، وليس امامنا اي خيار آخر غير الانتظار والمراقبة، مع التأكيد على ان الاخطار كبيرة، والتصعيد العسكري وارد على مختلف الجبهات، ومن كل الاطراف، ومؤتمر جنيف بات امام مفترق طرق من اتجاهين: واحد نحو الانهيار، والاخر ليس نحو النجاح، وانما كسب الوقت والمناورة بالتالي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قرار روسي مفاجيء يخلط جميع الاوراق قرار روسي مفاجيء يخلط جميع الاوراق



GMT 08:33 2024 الأحد ,23 حزيران / يونيو

من جيب بوتين

GMT 20:44 2024 الجمعة ,15 آذار/ مارس

أوكرانيا والعواقب غير المقصودة

GMT 18:03 2024 السبت ,09 آذار/ مارس

التحقيق جارٍ

GMT 17:40 2024 الأحد ,10 آذار/ مارس

بايدن... خطاب اتحاد أم انتخاب؟

GMT 13:07 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القضية التي تؤرقنا

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib