صناعة الأزمات وثوابت الخليج

صناعة الأزمات وثوابت الخليج

المغرب اليوم -

صناعة الأزمات وثوابت الخليج

بقلم - عبد الرحمن الراشد

يخيم التوتر على منطقة الشرق الأوسط، وينبعث قلق مشروع جراء تطورات تنذر بتداعيات غير مسبوقة على الأمن القومي العربي، الذي بات مهدداً في بنيته وركائزه، ويواجه خيارات صعبة وحرجة.

وإذا كان مشروع إدارة أوباما للتغيير في الشرق الأوسط قد شهد تراجعاً وفشلاً، فإن المشروعين الإسرائيلي لتقسيم دول المنطقة، والإيراني للتوسع والهيمنة، ما زالا يجاهدان لتحقيق مآرب وأغراض لا تخفى على أحد.
التحرك الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية، كان واعياً لطبيعة المخاطر ومدركاً لحقيقة التهديدات، وشاملاً لأبعاد المواجهة، ونجح في إعادة الكثير من الأمور إلى نصابها،

في ظل تصاعد موجات الإرهاب ودور الميليشيات المسلحة، وتربص القوى الطامعة في مقدرات وثروات المنطقة، وتدخلاتها السافرة في شؤون دولها الداخلية.
وفي خضم هذه التحديات لم يكن مقبولاً أو مسموحاً أن تشكل إحدى دول مجلس التعاون مصدر تهديد لباقي دوله، أو ثغرة للنفاذ منها لتقويض أسس استقرار المنطقة.

وأود في هذا السياق أن أطرح ملاحظات عدة بشأن الأزمة القطرية، أرى أنها تستحق التوقف عندها والتمعن فيها:

أولاً: القرارات المتخذة إزاء قطر، والتأكيد على أنه لا تفاوض بشأن المطالب الواجب على الدوحة تنفيذها، تحمل رسالة جديرة بأن تقرأ جيداً، مفادها أنه لا جدال ولا مجاملة في الأمن؛ انطلاقاً من قناعة ثابتة بأن الأمن هو أولوية مطلقة، ولا تنازل عن الثوابت الخليجية العليا.

لقد قامت قطر بالتوقيع على وثيقة الرياض في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2013، وقبلت الالتزام ببنودها، ثم نكثت العهود ولم تفِ بالوعود. كما قبلت التوقيع على اتفاق الرياض التكميلي بعد ذلك بعام، ولم تضعه أيضاً موضع التنفيذ.

إن الموقف الحالي تجاوز مرحلة العتب إلى قرار استراتيجي بأن الصمت على التجاوزات القطرية وممارستها غير المسؤولة، يشكل تهديداً بالغاً لأمن الخليج. فعندما يتحول التنافس إلى صراع، ويقود الطموح إلى الإيذاء، هنا تكون البوصلة قد ضاعت وتحتاج إلى إعادة ضبط وتوجيه، مصداقاً لقوله تعالى «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ».

ثانياً: بناءً على المعطيات الواقعية والقرائن المتوافرة، فإن الدول الأربع تعاني من خطر الإرهاب، ولولا اليقظة الأمنية والاستخباراتية، والوقفة الشعبية لكانت الأمور قد وصلت إلى ما لا تحمد عقباه، من جهة ارتفاع أعداد الضحايا الأبرياء، وانتشار أفكار التطرف. وهذه الدول أجمعت كلها على وقوف النظام القطري وراء عمليات دعم تنظيمات الإرهاب وتمويلها بصور مختلفة، سياسياً ومالياً وإعلامياً وغيرها، بالإضافة إلى توفير الملاذ الآمن.

والملاحظ أن المواقف القطرية جاءت مناوئة ومغايرة لكل تحرك يهدف إلى وضع حد لمحاولات رسم خريطة جديدة للمنطقة من جانب جهات خارجية، ترتكز على أسس الطائفية والإرهاب والفوضى والعبث بشؤون المنطقة.‬ ‬‬‬‬‬‬

وفي المقابل، كان هناك حرص واضح منذ بداية الأزمة على التفريق بين حكومة قطر وضرورة اتخاذها الإجراءات المناسبة لوقف النهج العدائي، وبين الشعب القطري الذي يظل شعباً شقيقاً عزيزاً له كل التقدير.

ثالثاً: استراتيجياً، ومن ناحية لغة المصالح والأمن المستدام، فإن قطر ترتبط بمصلحة حيوية ووثيقة ومتجذرة بأمن دول مجلس التعاون، ولا يمكن استبدال علاقات عابرة مع قوى إقليمية أخرى بالمنظومة الخليجية، فإيران لديها مشروعها العقائدي الذي لا يستثني أحداً بما فيهم قطر.

لقد كانت مملكة البحرين من أكثر دول المنطقة التي عانت من الممارسات القطرية في مواقف كثيرة وحقب مختلفة، وكان صوت العقل ومنطق الأخوة يغلبان دائماً على مجاراة الدوحة في مهاترات عقيمة رغم سوء الفعل وفداحة الجرم.

لقد رسمت البحرين بقيادة الملك حمد بن عيسى آل خليفة رؤية واضحة لأمن الخليج، قوامها مواصلة الإصلاح كعملية مستمرة؛ كون الأمن والتنمية صنوين متلازمين كضرورة ملحة للاستقرار والرخاء ومكافحة الإرهاب، واعتبار الاتحاد الخليجي، خياراً استراتيجياً للتكامل في كيان مشترك كنتيجة حتمية لشعوب ودول لديها مقومات جامعة ومصير واحد. وفي هذا الصدد، يقول الملك حمد: «اختارت البحرين على مدى تاريخها التضامن مع المملكة العربية السعودية الشقيقة؛ للمحافظة على الدين والعروبة، والتعايش والتسامح، وحفظ الكيان وحسن الجوار».

وفي المحصلة النهائية، فإن الأزمة الناشبة مع قطر هي أزمة تتداخل فيها محددات التاريخ والجغرافيا، وتتقاطع معها متطلبات الأمن وأحلام الطموح الجامح. وهذا الأمر يستدعي موقفاً مسؤولاً من جانب نظام قطر، وأن يضع توحيد الكلمة أولوية، والهوية أساساً، وضمير الأمة حكماً.

* رئيس مجلس أمناء «مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صناعة الأزمات وثوابت الخليج صناعة الأزمات وثوابت الخليج



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء

GMT 22:53 2017 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المغربي ينجح في اختراق جرائم العصابات المنظمة

GMT 23:47 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلى علوي تستعيد ذكرياتها في الطفولة في "صالون أنوشكا"

GMT 06:26 2016 السبت ,24 كانون الأول / ديسمبر

عبود قردحجي يُؤكِّد أنّ 2017 ستكون مختلفة لمواليد "الجدي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib