أزمة إيران أعمق من سعر الخبز

أزمة إيران أعمق من سعر الخبز

المغرب اليوم -

أزمة إيران أعمق من سعر الخبز

بقلم - عبد الرحمن الراشد

بعد إطاحته بالشاه نجح آية الله الخميني في شيء واحد، قضى على الدولة الأقوى والأغنى والأكثر نجاحاً في منطقة الشرق الأوسط. جاء النظام الذي بناه على أنقاض دولة الشاهنشاهية الحديثة، دولة دينية متخلفة بفكر اقتصادي يساري عتيق. كانت إيران دولة تمثل نموذجاً ناجحاً في نظر الغرب، وقد تقدمت على غيرها بمسافة بعيدة.
ثم خيّب الخميني كل من أيده أو ظن فيه أحسن ما يتمناه. كان الشباب يتطلعون لخليفة الشاه إلى نظام ديمقراطي كامل. والأقليات الإثنية ظنّت أن خروج الشاه سينهي القومية الفارسية الطاغية ويقيم دولة إيران الجامعة، والشيوعيون يعتقدون أنه سيكون حليفهم ضد الأميركيين حلفاء الشاه. واعتقد الأميركيون أن وصول رجال الدين أفضل من وصول حزب توده الشيوعي، وسيسد الطريق على دبابات السوفيات التي استولت على الجارة أفغانستان، ويمكنهم العمل معهم لاحقاً. وصدقت الجماهير العربية تعهدات الخميني بتحرير القدس من الإسرائيليين، وتمنى عرب الخليج من خروج الشاه نهاية النزاع على الجزر والبحرين والعراق.
كلهم كانوا مخطئين.
بعد وصول الخميني للحكم كان أكثر من دفع الثمن هم الشباب. وضعت الجامعات تحت إدارة رجال الدين وقمعت النساء. وأول ضحايا النظام كانوا اليساريين فبطش بهم نظام الملالي، رغم أنهم ساندوه في ميدان أزادي، التحرير. وضيق على الأقليات الإثنية.
واكتشف الأميركيون أن اليمين الديني في المنطقة لا تنطبق عليه مواصفات اليمين في الغرب. كان أكثر عداءً لهم من حزب توده. وحصرت طهران خلافها مع إسرائيل في النزاع معها على مناطق النفوذ العربية. أما عرب الخليج فقد اكتشفوا أن الخميني يعتبرهم عدوه الرئيسي وهدفه الدائم ضمن استحضاره للصراع الديني الطائفي القديم.
والذين يعتبرون أن الأزمة الاقتصادية هي دافع الناس للانقضاض على نظام المرشد الأعلى يهونون من العوامل الأكثر تجذراً وخطورة. فمظاهرات عام 2009 كانت أضخم، وقادها أناس من صلب النظام والمستمتعين بامتيازاتهم المعيشية. جذور أزمة النظام هي كل ما ذكرته أعلاه. فقد أقصى كل القوى المحلية، وميّز نفسه عن البقية، وعندما فشل كان سهلاً على الجميع أن يلتقوا على مطلب واحد وهو إسقاطه. ليس الخبز وحده مشكلتهم مع حكومة حسن روحاني، ولا سعر الوقود يمثل خلافهم مع نظام المرشد الأعلى، بل يعارضون كل شيء يمثله النظام. غالبية الإيرانيين ليست متدينة، وذات اعتزاز قومي ترفض من رجال الدين تهميشه. وإيران بلد كان أكثر حضارة وأكثر انفتاحاً وتعايشاً في ظل حكم الشاه، وأكثر تقدما في العلوم والصناعة. كله تبخر بعد أن تسلم الحكم مجموعة من الدراويش التي تعتقد أن واجبها الوحيد تسخير الدولة لخدمة آية الله ونشر تعاليمه، والقتال من أجلها في أنحاء العالم. هذا الفكر الأناني الساذج ليس مقنعاً لغالبية الشباب الإيراني الذي ينتج أفضل الأفلام ويلقي أعذب القصائد، ويحيي الحفلات في الأقبية خارج أنظار مخبري الباسيج. لأشهر عديدة استمرت الفتيات الإيرانيات يظهرن يوماً في كل أسبوع وينشرن صورهن من دون حجاب تحدياً للملالي. توجد كراهية حقيقية عند الشعب الإيراني للنظام الذي كان من شعاراته يافطات تستنكر دعم الحركات الدينية في لبنان وسوريا والعراق. هذا شعور أعظم وأخطر من المطالبة بسعر خبز أرخص.
وأعداء نظام ولاية الفقيه في الخارج أيضاً كثر، حتى الذين يظهرون حرصهم عليه، مثل روسيا التي لها خلافات معه حول تقسيم بحر قزوين وملفات أخرى. هذا ما سيجعل وضع طهران في الفترة التالية مضغوطاً بشكل عليه أن يتحول إلى الواقعية السياسية والتعامل مع مواطنيه كما يتمنونه، ويتوقف عن مغامراته في الخارج، وإن لم يفعل فستنجح الكثرة الكارهة له في الداخل والخارج في إسقاطه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة إيران أعمق من سعر الخبز أزمة إيران أعمق من سعر الخبز



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 08:47 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تيك توك يتخلص من أكثر من 200 مليون فيديو مخالف خلال 3 أشهر

GMT 02:26 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

احتياطيات ورأسمال بنوك الإمارات تتجاوز 136 مليار دولار

GMT 03:01 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدفاع الجديدي يهزم حسنية أكادير

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ميناء طنجة المتوسط يحصل عل قرض من مؤسسة التمويل الدولية “IFC”

GMT 22:42 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب الطرق تواصل حصد أرواح المغاربة

GMT 21:19 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر

GMT 18:13 2023 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

بلينكن يُعلن دعمه المستمر لكييف في الحرب الروسية الأوكرانية

GMT 05:00 2024 الأربعاء ,13 آذار/ مارس

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 13 مارس/ آذار 2024
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib