مظاهرات الأردن خبز أم سياسة

مظاهرات الأردن خبز أم سياسة؟

المغرب اليوم -

مظاهرات الأردن خبز أم سياسة

بقلم - عبد الرحمن الراشد

«هاهو الربيع العربي يعود إلى الشارع العربي»، و«ما يجري في الأردن ينقض رواية أن الأنظمة الملكية معصومة من ثورات الشارع». هذه بعض من ردود الفعل السريعة على مشاركة الآلاف من الأردنيين في المظاهرات، إلا أن «الدوار الرابع» في عمان ليس «ميدان التحرير» في القاهرة، ومظاهرات الأردن ليست ربيعاً سياسياً، وإن كانت الجماعات «الإخوانية» وغيرها، ومحطات التلفزة القطرية، تصور مظاهرات ضد الضرائب والأسعار على أنها احتجاجات ضد النظام السياسي. انطباعاتي مباشرة، فقد كنت في عمان أول من أمس ليومين، والتقيت عدداً من المعنيين بالشأن المحلي. في الأردن مشكلاته اقتصادية وليست سياسية؛ الأسعار، الوظائف، الضرائب. وفي الأردن أيضاً قيادة سياسية براغماتية، قريبة من الناس، مستعدة لرمي الحكومة من النافذة عندما تفشل في علاقتها مع الشارع، وهذا ما حدث لحكومة هاني الملقي، رفض فدفع الثمن وتم تكليف عمر الرزاز. الآراء مختلفة، أحدهم قال لي الرزاز والملقي كلاهما من أصول حموية سورية، وثانٍ قال الملقي جاء بالرزاز، وثالث قال السبب في الصراعات داخل الحكومة، لكن المشكلة واضحة. الأغلبية ضد الضرائب، والبطالة التي قفزت فوق 18 في المائة، وغاضبة من تدني القدرة البشرية، وتراجع الدعم الخارجي.

إدارة الأزمات هنا في الأردن مبنية على «نبض الشارع»، أي بالتعامل مع الحراك قبل أن يبدأ، وعندما يبدأ قبل أن يستفحل، وإقصاء رئيس الوزراء هو الأسلوب الأردني في معالجة الأزمات عندما تشتد.
الخيارات الأخرى أمام القيادة الأردنية محدودة، وبخاصة أن محركات الغضب معظمها خارجة عن سلطتها. فالبنك الدولي يرفض إعطاء قروض من دون رفع الدعم وتخفيض مصاريف الحكومة، وكذلك تراجع المساعدات نتيجة انخفاض مداخيل الدول البترولية. فالعامل الاقتصادي هو محرك التأزيم السياسي.
ولا ننسى أن الأردن ملفى وملجأ مستمر منذ نصف قرن؛ اللاجئون السوريون، وسبقهم العراقيون، وقبلهم الفلسطينيون حتى صار الأردنيون أقل من نصف السكان.
وإذا كانت الغالبية خرجت تحتج على الظروف المعيشية، ورفع الضرائب، ونقص الوظائف إلا أن بعض الأصوات المرتفعة كانت دوافعها سياسية، لكنها أقلية.
ومن منطلق الأسلوب البراغماتي، المألوف في الأردن، طُرحت حلول تصالحية الأرجح أنها ستخفف الاحتقان. إنما علاجات تهدئة الشارع لن تحل المشكلة المزمنة؛ فموارد الدولة الأردنية شحيحة مقارنة بجاراتها، العراق والخليج وكذلك فلسطينيو الداخل أو عرب إسرائيل. في الأردن البنية التحتية جيدة نسبياً، من المطار إلى الميناء، والمستشفيات، والمياه، والطرق السريعة. معيشياً أفضل، عمان مثلاً أرخص من بيروت، ووفق مؤشر جودة الحياة أفضل، أرخص في الإيجار وأقل تكلفة، وفي الوقت الذي تنقطع فيه الكهرباء ساعات في النهار في بيروت تظل عمان مضيئة على مدار اليوم. مع هذا، جودة البنية التحتية لا تضع الأكل على الطاولة، لا تزيد الوظائف، ولا ترفع دخل العائلة المحدود. والحكومة عاجزة عن ابتداع موارد إضافية، وفاشلة في تقليص البيروقراطية، حيث إن كثيراً من المستثمرين لا يزالون يشتكون من طول الإجراءات وبطء الإنجاز.
الأردنيون هم أعظم ثروات الأردن، الذي لا يملك طبيعياً سوى الفوسفات المحدود الموارد. نسبة لغيره في المنطقة، يتميّز التعليم بأنه الأفضل، وهو ما مكّن الكثير من المواطنين من الحصول على وظائف في الخليج وأوروبا والولايات المتحدة كمهندسين، وتقنيين، وقانونيين، ومحاسبين، يعيلون ذويهم في الداخل. وهناك الملك عبد الله الثاني، يتولى شخصياً مهمة تسويق الأردن والحصول على الدعم من الحكومات والمنظمات الدولية. أما الحكومة فهي مركز صرف، وما تجمعه من جبايات مختلفة لا يكفيها للإنفاق على الخدمات البلدية والصحية والضرورية غيرها.
فقد استثمرت في السياحة وجعلتها عمود الاقتصاد، إلا أنها سريعاً ما انهارت بسبب الإرهاب والحروب الإقليمية. وجربت بناء سلسلة من الصناعات، لكنها واجهت قيود دول المنطقة ومنافسة الدول الأرخص في آسيا. وحتى تصدير العمالة الماهرة، التي يتميز بها الأردن، هو الآخر، معرّض لأن يصبح ضحية السياسة، فقطر تبتز الأردن بمواطنيه الـ45 ألفاً الذين يعملون على أراضيها في حال تقارب مع السعودية، أو عرقل علاقته بتنظيم الإخوان لديه!
الدول التي تعاني مما يسمى بالمرض الهولندي، نقص الموارد، هي أكثر حاجة إلى منظومة إدارية فاعلة، وبرامج أكثر تركيزاً وتخصيصاً، ومحاربة جادة للفساد، وشفافية عالية. وتصحيح أداء الدولة ومؤسساتها ينطبق أيضاً على كل الدول، إلا أن الأردن وتونس ومثيلاتهما أكثر احتياجاً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مظاهرات الأردن خبز أم سياسة مظاهرات الأردن خبز أم سياسة



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib