يدرك صانع القرار فى كل من القاهرة والرياض أن تحديات اليوم فى الداخل والمنطقة والعالم تستدعى منهما -أكثر من أى وقت مضى فى التاريخ- «التنسيق الكامل» و«التعاون اللامحدود» لمواجهة المخاطر والمؤامرات والتحديات.
والمثير للتأمل أن هناك -تقريباً- تشابهاً مذهلاً فى التحديات التى يواجهها كل من القاهرة والرياض.
فالرئيس عبدالفتاح السيسى جاء بمشروع إصلاحى إنقاذى سوف يغيّر الخارطة السياسية والاقتصادية للشعب، مما يحتاج منه قرارات شديدة الصرامة قد يكون لها آثار اجتماعية صعبة، لكنها ضريبة «ذلك الدواء المر الذى يجب أن نتجرّعه من أجل الشفاء».
فى المقابل، جاء الأمير محمد بن سلمان من الديوان الملكى إلى وزارة الدفاع، إلى ولاية ولاية العهد، إلى ولاية العهد، ليصبح فى مركز التأثير الأقوى والأوحد بعد مليك البلاد، وليصبح «بوابة التغيير والإصلاح».
والمشروع الإصلاحى للأمير محمد بن سلمان طموح وجرىء لإنقاذ البلاد والعباد من 4 أمور رئيسية:
1- بقاء الاقتصاد السعودى مرتهناً بأكثر من 85٪ من مداخيله بالثروة النفطية، مما يجعله فى مهب الريح لأى تقلبات فى اكتشافات الطاقة أو أى انقلاب فى أسلوب تسعيرها.
2- بقاء الدولة على نظام دولة الرعاية الاجتماعية منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، تلتزم فيه الدولة بمسئوليات مالية واجتماعية يصعب، بل يستحيل، الاستمرار فى تقديمها فى ظل تذبذب أسعار النفط، واضطرابات المنطقة والعالم، وارتفاع عدد السكان، واتساع شئون الدولة.
3- دخول المنطقة، بما فيها المملكة، فى مركز عواصف المؤامرات الخارجية، والحروب الطائفية والمذهبية، واستخدام الدين كأداة للانقلاب على السلطة.
4- الفهم العميق لدى محمد بن سلمان أن الإصلاح والتغيير لا يبدأ بأدوات السلطة أو مؤسساتها أو بسياستها الاقتصادية فحسب، ولكن يجب أن يواكبه، بشكل متلازم، إصلاح سياسى.
النقطة الجوهرية العميقة التى يصر عليها ولى العهد السعودى، وهو مصيب تماماً فيها، هى «عليك أن تعد من سيقوم بالإصلاح السياسى حتى لا تصل إلى وسائل ومراكز السلطة قوى تنتمى إلى قرون سابقة ذات فكر متخلف قائم على النعرات القبلية أو الفهم المغلوط لصحيح الدين».
يدرك محمد بن سلمان أن كل من تعجّل فى الشكل قبل أن يطمئن إلى مضمون الإصلاح قد قام بجريمة كبرى فى حق شعبه ونفسه، لذلك يسير فى سياسة تعتمد على أمرين:
1- التعجل فى تنفيذ خطط الإعمار الاقتصادى الكبرى لجذب سوق العمل والاستثمارات ولتقليص الاعتمادية المطلقة على إنتاج النفط.
2- بالتوازى عمل برنامج ذكى مدروس فى تغيير الفهم والمفاهيم والنظم القيمية التى تجعل من أكثر من ثلثَى المجتمع من الشباب أكثر قبولاً للتطور والتحديث والتسامح واحترام الغير.
وحده محمد بن سلمان كان قادراً على تحقيق الانفتاح الاجتماعى، بدءاً من قبول الفن المحترم، إلى حرية الجدل فى الصحف، إلى قيادة المرأة للسيارة، إلى التسامح مع الآخر، بهدف تحقيق مصالح تاريخية ونهائية بين فكر المجتمع القديم، ودخوله فى عصر يتوافق تماماً مع فهم ومفردات العالم دون التفريط -بالطبع- فى الثوابت الخاصة بالقيم والعقيدة.
فى الجانب الآخر يقف الرئيس عبدالفتاح السيسى أمام مشروع فيه 3 تحديات رئيسية:
الأول: حجم مطالب متراكمة منذ 70 عاماً مطلوب تحقيقها جميعاً فى ظل موارد محدودة للغاية.
الثانى: خلل قاتل فى هيكل الدخل والموارد للاقتصاد المصرى يقتضى إصلاحه إجراءات شديدة الصعوبة وغالية التكاليف اجتماعياً.
الثالث: حرب مكلفة، بكل المعانى، ضد الإرهاب التكفيرى الذى يستهدف مشروع الدولة الوطنية فى مصر.
كلاهما، الرئيس السيسى والأمير محمد، يواجه تحديات ثالوث: الإصلاح الاقتصادى، مواجهة الإرهاب الدينى، إعادة بناء مؤسسات الدولة.
كلاهما يدرك فاتورة الإصلاح الشامل غير الشعبوية، لكنها ضرورة قصوى لا بديل عنها لإنقاذ المريض من تدهور حالته. إنها عملية شبيهة بجراحة صعبة لإنقاذ حياة مجتمع بأكمله.
يحدث ذلك كله فى ظل 4 أمور:
1- مؤامرة مؤكدة لإسقاط الدول الوطنية بهدف إحداث فوضى تؤدى لتقسيم المنطقة لطوائف.
2- حدود ملتهبة لدى مصر والسعودية على حد سواء.
3- تآمر إقليمى ضد المشروع العربى المعتدل من طهران إلى الدوحة، ومن صنعاء إلى أنقرة.
4- فتح مزاد بيع وشراء المنطقة فى موسكو وواشنطن على حد سواء، بحيث لم تعد هناك قوى دولية يمكن الوثوق بها أو الرهان على ثبات سياستها تجاه قضايا المنطقة.
نحن نعيش فى منطقة فيها الدماء المغموسة بطعم المؤامرات فى كل مكان، ولا بديل لنا، بعد الله، إلا بالرهان على «الشقيق الذى نثق فيه».
لذلك كله نقول إن علاقة مصر بالسعودية لا تحتمل إلا احتمالاً واحداً لا بديل عنه، وهو النجاح فى التعاون والتنسيق.
ولذلك كله نقول إن جولة الحوار المقبلة بين قيادتَى المملكة ومصر، مسألة حياة أو موت لرسم خارطة طريق قرارات شديدة الصعوبة بالغة الأهمية.