بينما كنت أجلس على مقهى شعبى فى إحدى العواصم العربية، وبينما كنت أحتسى الشاى المغربى الممزوج بالنعناع الأخضر وماء الورد، بادرنى أحد الشباب، واقتحم علىّ عزلتى الجميلة، ودون استئذان جلس إلى طاولتى، وقال:
الشاب: معلش يا أستاذ، محتاج أتكلم معاك ضرورى جداً.
العبد لله: خير إن شاء الله، تحت أمرك.
الشاب: إننى منزعج تماماً من كل هذه المؤتمرات التى انعقدت فى الآونة الأخيرة.
العبد لله: أى مؤتمرات تقصد؟ هناك مؤتمر كل يوم تقريباً.
الشاب: انظر فى الآونة الأخيرة: قمة سوتشى بين الأتراك
والروس والإيرانيين، ومؤتمر ميونيخ للأمن الدولى، ومؤتمر وارسو الذى خُصص لتحديد موقف دولى من إيران.
العبد لله: وما الذى يضايقك فى هذا؟
الشاب: إنهم يحددون سياسات العالم على هواهم وحسب مصالحهم، ويرسمون -رغماً عنا- حاضرنا وآفاق مستقبلنا.
العبد لله: القوى دائماً هو الذى يفرض شروطه على العالم يا عزيزى.
الشاب: ولماذا نحن ضعفاء أو مستضعفون؟
العبد لله: لسنا ضعفاء، لكننا لا ندرك مكامن قوتنا، ولا نعرف كيف ومتى وأين نستخدمها فى علاقاتنا بالقوى الكبرى فى هذا العالم.
الشاب: هل هى مؤامرة، أم سوء إدارة لمصالحنا؟
العبد لله: أعتقد أن الجميع يتآمر على الجميع، هذا يحدث فى العالم كل يوم، ولكن يبقى السؤال: ما الذى تفعله أنت فى وجه هذه المؤامرات؟ هل تستسلم لها؟ هل تقاومها؟ هل ترد عليها؟ والسؤال الأهم: هل تعرفها وتفهمها؟
الشاب: ولماذا هذا الاستسلام لما يفعلونه بنا؟
العبد لله: هناك فارق بين 3 أمور جذرية فى هذا المجال.
الشاب: بالله عليك ما هى؟
العبد لله: هل تعرف أم لا تعرف؟
هل تريد أن تفعل أم لا تريد؟
هل تقدر أم لا تقدر على الفعل؟
الشاب: وما رأيك، هل المشكلة فى المعرفة أم الرغبة أم القدرة؟
العبد لله: فى رأيى المتواضع، عندنا مشكلة عميقة فى المعرفة والرغبة والقدرة.
اكتأب الشاب، وتغيّر لون وجهه، وغادرنى دون أن يودعنى ولو بكلمة واحدة.
وانتهى الحوار الحزين.