«القوة المشتركة»  عربية أم إسلامية

«القوة المشتركة» ... عربية أم إسلامية؟!

المغرب اليوم -

«القوة المشتركة»  عربية أم إسلامية

عريب الرنتاوي


تباين أولويات المحاور والعواصم العربية، أفضى إلى اختلاف طبيعة وهوية “القوة العسكرية المشتركة” التي تكاثر الحديث عن تشكيلها لمواجهة الأخطار والتحديات التي تجابه المنطقة ... مصر على سبيل المثال، تعطي الأولوية الأولى لمحاربة الإرهاب والجماعات الإسلامية المتشددة، ولهذا فهي تفضل تشكيل “قوة مشتركة عربية بمن حضر” ... السعودية التي تعطي الأولوية الأولى لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، تفضل تشكيل قوة إسلامية، تنخرط فيها تركيا والباكستان ودول الخليج بعد أن أتمت مصالحاتها، وتحديداً الرياض والدوحة.
اختلاف الأولويات، واستتباعاً التحالفات، سيجعل من مهمة تشكيل هذه “القوة المشتركة” أمراً صعباً للغاية ... والتجربة العربية المعاصرة على أية حال، لم تشهد “ولادات متعافية” لمشاريع من هذا النوع ... القيادة العربية المشتركة التي شكلت على عجل، لم تحل دون وقوع أكبر هزيمة بجيوش ثلاث دول عربية في حزيران 1967 ... وقوات الردع العربية، السورية في مبناها وقوامها، فقدت طابعها “العربي” بعد أشهر قلائل من تشكيلها لوضع نهاية للحرب الأهلية في لبنان... في حالات أخرى، مثل “تحالف حفر الباطن” لتحرير الكويت، لم تكن المشاركة العربية تتعدى الطابع الرمزي الذي لم يقدم ولم يؤخر ميدانياً، فيما القوة الضاربة التي هزمت العراق وأخرجته من الكويت، كانت أمريكية بامتياز.
حين تكون الحرب على داعش والإرهاب هي الأولوية الأولى، كما في الحالة المصرية، فإن من المنطقي ألا تكون تركيا من ضمن قائمة الدولة المستهدفة لتشكيل “القوة المشتركة”، هنا ينظر إلى تركيا بوصفها جزءاً من المشكلة لا وسيلة للحل ... حرب داعش ليست أولوية تركيا كما قال جيمس كلابر، والاتهامات لتركيا بتقديم الدعم والتسهيلات لـ “داعش” في سوريا على الأقل، لم تتوقف ولم تنقطع، بل ولم تصدر عن جهة واحدة فقط.
يزداد الأمر تعقيداً، وتصبح العلاقات المصرية التركية عصية على التعاون والعمل المشترك، حين تضع القاهرة الإخوان المسلمين في سلة واحدة مع داعش، وحين ترى فيهم تهديداً إرهابياً للأمن الوطني المصري، في الوقت الذي تتحول فيه إسطنبول إلى حضن دافئ لهم، ومقر لآلتهم الإعلامية، و”مصرفاً” لتحويلاتهم المالية، إلى غير ما هنالك من أشكال الدعم والإسناد.
وحين يصبح الإرهاب وليس إيران، هو الخطر “رقم واحد” في حسابات الأمن المصري، فإن من المنطقي أن تنفتح القاهرة على بغداد، وأن تتخذ موقفاً مغايراً عن السعودية حيال سوريا، وأن توثق علاقاتها مع موسكو، وألا تستعدي طهران، التي تقاتل داعش أيضاً، في غير ساحة وعلى أكثر من جبهة وخندق ... هذا بالضرورة، يتعارض مع أولويات المملكة في التصدي لإيران واحتواء تقدم حلفائها على مختلف الساحات، من اليمن إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا.
كيف يمكن في ظل تباين الأولويات والقراءات لمصادر التهديد، أن تتشكل قوة عربية مشتركة، بأهداف واضحة وعقيدة قتالية واحدة؟ ... من سيقود هذه القوة ومن أي عاصمة وفي أي اتجاه؟ ... ممكن تتشكل وما هي “أنصبة” الأطراف المختلفة فيها، وهل هناك دولة محورية عدداً وعدة وعتاداً، أو أن الجميع سيشارك بقوات وازنة، تتناسب مع حجمه وقدراته العسكرية البشرية والتسليحية؟
مصر تريد لهذه القوة العربية أن تكون “غطاءً” و”مظلة” و”مصدر تمويل” للجيش المصري في حربه على جبهات الإرهاب المتعددة، وخصوصاً في ليبيا ... السعودية تريد القوة الإسلامية لقتال الحوثيين في اليمن ونظام الأسد في سوريا إن اقتضت الضرورة ذلك ...أما المجتمع الدولي، فليس موحداً ولا جازماً بعد، لا بخصوص “الحرب البرية” والتدخل العسكري الخارجي في أي من ساحات المواجهة المفتوحة، ولا بخصوص تفاصيل تشكيل هذه القوات وقيادتها وعلاقاتها مع “التحالف الدولي المناهض للإرهاب”.
الأردن، ومن منظور التحليل السياسي، يبدو أقرب إلى وجهة النظر المصرية، فهو يعتبر أن الحرب على الإرهاب هي الأولوية التي لا تتقدمها أية أولوية أخرى، وهو بدرجة أقل من مصر، لا يحتفظ بعلاقات دافئة مع أردوغان ولا مع جماعة الإخوان المسلمين ... بيد أن الأردن تربطه بالسعودية علاقات وطيدة، وللرياض تأثير لا ينكر في عمّان ... فأين سيكون موقع الأردن، إذا ما قررت الدولتان العربيتان الكبريان المضي في مساعيهما لتشكيل هذه القوة،
إنه موقف محرج بلا شك، لكن ما يجعله محتملاً وقابلاً للاحتواء، أن كلا الدولتين الشقيقتين، تواجهان مشكلات كبرى في وضع مشروعيهما على سكة التنفيذ ... فلا القوة العربية التي تتحمس لها القاهرة سترى النور قريباً، حتى “بمن حضر”، ولا القوة الإسلامية التي تدعو لها السعودية بدأت تحتشد في المعسكرات وترابط على الجبهات، على الرغم من العلاقات الحارة بين الرياض وكل من أنقرة وإسلام أباد.
بقي أن نشير لملحوظة بالغة الأسف والقسوة: إسرائيل لم يؤت على ذكرها في حمأة هذا الجدل أو الإشارة لأطماعها الاستعمارية والتوسعية العدوانية، لا عند الحديث عن القوة العربية ولا في سياق التداول بالقوة الإسلامية ... إسرائيل باتت خارج التداول عندما يتعلق الأمر بلائحة الأعداء والمهددات، وأحياناً يؤتى على ذكرها من باب “الحليف المحتمل” في مواجهة الخطرين الآخرين: إيران و “داعش”؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«القوة المشتركة»  عربية أم إسلامية «القوة المشتركة»  عربية أم إسلامية



GMT 19:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:29 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 19:25 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

GMT 19:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

خطيب العرابيين!

GMT 19:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

روشتة يكتبها طبيب

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أنجيلا ميركل؟!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib