محركات حروب الشمال السوري

محركات حروب الشمال السوري

المغرب اليوم -

محركات حروب الشمال السوري

بقلم : عريب الرنتاوي

حروب الشمال السوري المركبة باتت محكومة بمقتضيات الصراع التركي – الكردي أكثر من أي شيء آخر ... والأرجح أن الحال ستستمر على هذا المنوال حتى إشعار آخر ... انقرة تعرب عن استعدادها لتقديم رأس “داعش” على طبق من فضة لواشنطن، شريطة أن تتخلى الأخيرة عن وحدات الحماية الكردية وقوات سوريا الديمقراطية، وهذه الأخيرة، تضع سيطرتها على منبج، وصولاً إلى عفرين، كأولوية تتقدم على معركة تحرير الرقة ... وبين الكرد والأتراك، تتحرك داعش صوب مارع في طريقها إلى إعزاز لقطع طريق التواصل الجغرافي بين شطري “كردستان الغربية- روجوفا “ شرق الفرات وغربه، وتخفيف الضغط عن جبهة “الرقة” في المقام الأول.

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، عرض على الولايات المتحدة، استعداد بلاده القيام بعملية عسكرية مشتركة ضد داعش، تبعدها عن مارع واعزاز، وربما تذهب أبعد وأعمق من ذلك، شريطة ألا يشارك أكراد سوريا في هذه العملية ... أجندة أنقرة ليست خافية على أحد، وهي تحتمل “التورط” في دعم داعش لضرب أكراد سوريا وقطع الطريق على مخططهم بقيام كيان كردي متصل، على امتداد حدودها مع سوريا، مثلما تحتمل وضع الجيش التركي تحت تصرف الجنرالات الأمريكيين، شريطة تحقيق الغاية ذاتها.

واشنطن بدورها، آثرت الرد على العرض بالصمت والتجاهل، فهي من جهة، تعرف أكثر من غيرها، حقيقة النوايا التركية، ولا تطمئن إليها ... وهي من جهة ثانية، ترتبط بأوثق العلاقات مع أكراد سوريا، حتى أنها باتت الداعم الرئيس لهم بالعتاد والسلاح والتدريب، ووحدات المارينز تقاتل كتفاً إلى كتف مع وحدات الحماية، وتضع شعاراتها ورموزها على أكتاف وأذرع الجنود الأمريكيين.

في المقابل، مضى أكثر من أسبوع على الإعلان عن بدء تحرير مدينة الرقة من قبضة “داعش”، لكن تقدماً جدياً على المحاور والجبهات، لم يطرأ منذ ذلك التاريخ ... المراقبون تحدثوا عن نجاح قوات الحماية الكردية في استرداد عدد من المزارع والقرى الصغيرة، بعضها أو جلها، كان على الدوام، موضع كر وفر بين داعش ووحدات الحماية ... والمراقبون أنفسهم، لاحظوا أن ليس ثمة تحضيرات على الأرض، حشد القوى والأسلحة الثقيلة، تشي بقرب فتح معركة تحرير الرقة في القريب العاجل.

وبدلاً عن تسريع وتيرة التقدم صوب عاصمة “دولة الخلافة” في سوريا، رأينا وحدات الحماية الكردية تفتح معركتين على نحو متزامن ومتوازٍ ... الأولى على جبهة مدينة الطبقة، والثانية على جبهة منبج .... الأولى بالنظر لأهميتها العسكرية – الاستراتيجية لتنظيم الدولة، والثانية، لتمهيد الطريق لربط شطري “الإدارة الذاتية”، بين عين العرب - كوباني وعفرين... متجاوزة بذلك “خطاً أحمر” تركياً، سبق للرئيس رجب طيب أردوغان أن هدد بدخول الحرب إن اجتاز أكراد سوريا نهر الفرات غرباً.

تقدم وحدات الحماية الكردية غرباً، ما كان ممكنا بدون ضوء أخضر امريكي، بل ودعم جوي أمريكي ... الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول واقع العلاقة التركية الأمريكية، التي يبدو أنها متأزمة وقائمة على “انعدام الثقة المتبادل”، برغم سيل تصريحات التهدئة والطمأنة التي تصدر عن واشنطن بخاصة ... يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي قد قررت الإجابة عملياً وليس بالتصريحات على طلب الرئيس التركي من واشنطن بالاختيار بين تركيا وأكراد سوريا ... تفاصيل الميدان تشير إلى أن واشنطن قد اختارت.

والحقيقة أن التحالف الأمريكي – الكردي، يترك أنقرة أمام خيارات صعبة ومحدودة للغاية، سيما بعد أن فقدت “ورقة داعش” وظيفتها، ولم يعد بمقدور أنقرة اللعب بها من جديد، فالمجتمع الدولي بات أقل تسامحاً حيال الدعم والتسهيلات التركية للتنظيم الإرهابي الأكثر تشدداً في العالم، والتنظيم نفسه انقلب على من مدّ له يد العون بالأمس، ونفذ عمليات إرهابية ضربت العمق التركي، بعد أن لاحظ بداية تحول في موقف أنقرة وموقعها على خريطة التحالفات السورية.

لكن “داعش” ما زال يراهن على ما يبدو على نظرية “التقاء المصالح” مع تركيا حول ضرب “الكيان الكردي”، وهجومه الأخير على مارع وتهديده بالوصول إلى إعزاز من شأنه أن يداعب “شيئاً ما” في الحسابات التركية، مع أن هدف هذا الهجوم الرئيس، هو إرجاء معركة الرقة ما أمكن، وتشتيت جهد أكراد سوريا وحلفائهم، بمعارك وجبهات أخرى مفتوحة بعيداً عن عاصمة “الخلافة”.

ومع كل هذه الحروب والجبهات المفتوحة في شمال سوريا، يتحول الصراع بين النظام ومعارضاته المختلفة، إلى مجرد “جبهة من جبهات”، وعنوان من عناوين الحرب المركبة المندلعة في سوريا وعليها، منذ أزيد من خمسة أعوام، فيما يُجمع المراقبون، على أن الأصعب والأعنف من جولات القتال في هذه الحروب، ما زالت أمامنا وبانتظارنا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محركات حروب الشمال السوري محركات حروب الشمال السوري



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:17 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib