جريمة كراهية موصوفة وبامتياز

جريمة كراهية موصوفة... وبامتياز

المغرب اليوم -

جريمة كراهية موصوفة وبامتياز

بقلم : عريب الرنتاوي

جريمة الاعتداء على يونس قنديل، أمين عام «مؤمنون بلا حدود»، لم تحظ بالاهتمام الرسمي الذي تستحق ... التعامل مع الجريمة جاء كما لو أنها «واقعة جنائية»، بانتظار نتائج التحقيق ... تُرك الأمر للمستوى الأمني، ولولا زيارة قام بها وزير الثقافة للمعتدى عليه على سرير الشفاء، وقيل إنها بتوجيه من رئيس الوزراء، لبقيت الواقعة في الإطار الجنائي.
مع أن الواقعة بتفاصيلها، ما سبقها ورافقها وأعقبها، تدلل بالبرهان الملموس، أنها جريمة كراهية موصوفة وبامتياز، بصرف النظر عن هوية وأسماء الفاعلين والجناة،فقد تركوا بصماتهم على جسد الضحية... وكتاباتهم بالسكاكين على ظهره المتسلخ، لا تدع مجالاً للشك بأنها كذلك، وتفضح هوية من حرّض وشحن واستنفر وهيّج الرأي العام، أما أسماء وهويات من قاموا بالفعلة النكراء، فتلكم وحدها المهمة المتروكة للجهات الأمنية.
ليست المرة الأولى، وقد لا تكون الأخيرة، إن ظل الحال على هذا المنوال ... كنّا ننتظر أن تنهض الحكومة، بالحديث عن هذه الجريمة، إدانتها والتنديد بمن خطط ونفذ، وحرّض، وهذا هو الأهم ... كنا ننتظر تطمينات قطعية بسيطة، تعيد الاعتبار للوظائف الأولى للدولة: حفظ حياة مواطنيها وأمنهم وصيانة تعدديتهم وحماية حرية الرأي والتعبير وإنفاذ سيادة القانون ... كنّا ننتظر لغة صارمة لا تحتمل التأويل أو التأجيل، المماطلة أو التسويف، فالرجل لم يتعرض للتهديد، لخلاف على موقف سيارة أو لصراع على «منقوشة» أو «كعكة» في فرن، الرجل تعرض لما تعرض إليه، على خلفية مؤتمر تم إلغاؤه، وهو يقود منظمة إقليمية، لها ما لها وعليها ما عليها.
لست من المعجبين بالمنظمة التي يقودها السيد قنديل، مع أن لي من بين أعضائها وكبار المسؤولين فيها، أصدقاء أحترم تاريخهم وسيرهم الذاتية، ولا أشكك أبداً بسلامة سرائرهم، ولطالما نظرت بعين النقد لمحاولات نقل صراع المحاور الإقليمية، المتحاربة والمتنافسة في المنطقة، إلى الفضاء الديني والفكري والعقيدي ... لكنني مع ذلك، لا أمتلك الكلمات التي تعبر عن غضبي وإدانتي للجريمة النكراء، بل وعن مخاوفي من أن يتحول الأردن، إلى مكان غير آمن للمفكرين والمثقفين وأصحاب الآراء المختلفة ... ألم يدفع ناهض حتر، الذي طالما اختلفت معه، حياته ثمناً لهذه الثقافة ولهذا التهاون واللامبالاة في التعامل مع قضايا من هذا النوع؟
ما حصل في «أدغال» عين غزال، ما كان ليحدث لولا  ثقافة الكراهية والتكفير والتحليل والتحريم، لولا تعاطي البعض منّا مع «المختلف» بوصفه عدواً ومارقاً وزنديقاً، لولا قيام البعض منّا بدور الوصي على عقولنا وثقافتنا وتفكيرنا وأخلاقنا وسلوكنا ... ما حصل لقنديل، هو امتداد لحملات ابتزاز، لم تسلم منها الثقافة والفن والموسيقى، من مهرجان جرش وغيره ... ما حصل هو النتيجة الطبيعية لمنطق المزايدات والاتجار بمشاعر الناس وعواطفهم ومعتقداتهم ... وليس من حق أحد أن يوصلنا إلى حافة القتل والاغتيال، وأن يتنصل من المسؤولية عن الجريمة ... ليس من حق أحد، ادعاء البراءة، وهو الذي حرّض وشحن وهيّج، ووقف جانباً ينتظر أرعناً أو مهوساً لاستكمال الجريمة ... على الدولة بمؤسساتها المختلفة، أن تبدأ من هنا، من التحريض، وأن تواصل تحقيقاتها إلى حين إلحاق القصاص العادل، بالجناة جميعاً.
وعلى الحكومة أن تغادر فوراً، وقبل فوات الأوان، ثقافة الخضوع الابتزاز، و»تطليق» نظرية «الباب اللي بيجيك منه الريح سدّه واستريح» ... على الدولة أن تقاتل دفاعاً عن تعدديتها ومدنيتها، وأن تحفظ حق الجميع في التعبير والانتظام والاجتماع والتفكير، على المختلفين الكف عن ممارسة «أخذ الحق بالذراع» أو بالأحرى، ما يعتقدونه حقاً، فليس لأحدٍ أن يمارس دور الدولة نيابة عن الدولة، هذه بلطجة وزعرنة، ولا مسمى آخر لها أياً كانت المبررات والذرائع.
لقد نظر الإعلام العربي والدولي، للجريمة بوصفها جريمة كراهية، ولم ينتظر إطلالة المسؤول الذي يبدو أنه «أدركه الصباح وتوقف عن الكلام المباح»، ولا أدري متى سنغادر هذا المربع، وكم جريمة من هذا النوع، ستقترف قبل أن يوقظنا «جرس الإنذار» على ما نحن فيه وعليه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جريمة كراهية موصوفة وبامتياز جريمة كراهية موصوفة وبامتياز



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib