زحام المبادرات «السخاء» وحده لا يكفي

زحام المبادرات... «السخاء» وحده لا يكفي

المغرب اليوم -

زحام المبادرات «السخاء» وحده لا يكفي

بقلم - عريب الرنتاوي

ازدحمت الساحة السياسية الفلسطينية مؤخراً بعددٍ وافر من مبادرات المصالحة، الأولى قيل إنها صدرت عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، سلمت للرئيس عباس وحركة حماس، قبلها الأول بتحفظ ووافقت عليها الثانية ... المبادرة الثانية صدرت عن الرئيس الفلسطيني وتولى العمل عليها والترويج لها مدير المخابرات اللواء ماجد فرج، فيما الثالثة صدرت عبر الإعلام عن حركة حماس وبلسان القيادي فيها صلاح البردويل.
المبادرات الثلاثة، سيما الأخيرتين منها، اتسمت بـ “السخاء” وفقاً لأصحابها، وهي جميعها تدور حول إلغاء اللجنة التي أنشأتها حماس لإدارة قطاع غزة مقابل وقف العمل بالإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السلطة ضد الحركة والقطاع، وتمكين حكومة الوفاق من القيام بمهامها، أو تشكيل حكومة وفاق وطني جديدة - قديمة، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة (وربما انتخاب أعضاء للمجلس الوطني الفلسطيني) كذلك.
اختلاف المبادرات عائد إلى اختلاف الحسابات والأولويات ... حماس تريد حلاً لمشكلة 42 موظفا عينتهم في سنوات الانقسام العشر العجاف، السلطة تنظر لهؤلاء كعبء مالي وسياسي كبير، يصعب عليها تحمله، لكن الغريب في الأمر أن المبادرة المصرية انحازت لموقف حماس حيال هذه المسألة، مع أن السلطات في القاهرة تعتقل أشقاء حماس من إخوان مصر على “الشبهة”، ولا تكتفي بفصلهم من وظائفهم؟!
حماس أيضاً تريد إعادة تفعيل المجلس التشريعي المنتهية ولايته منذ سبع سنوات عجاف حيث تحتفظ الحركة بأغلبية كبيرة في هذا المجلس، ما يجعلها في موقع المتحكم بمنح الثقة وحجبها وإقرار التشريعات وتفعيل دورها في صناعة السياسات...كما أنها تدعو لتفعيل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الذي تتمثل فيه... هنا لا يرد في مبادرات السلطة أي ذكر للتشريعي ولا للإطار القيادي، فهذا ملعب تجد السلطة نفسها ضعيفة للغاية على أرضه.
اختلاف الأولويات وترتيب “رزنامة” المصالحة، مشكلة أخرى تباعد ما بين المبادرات والمبادرين ... السلطة تريد حل لجنة إدارة القطاع الحمساوية أولاً، حماس تريد من السلطة وقف العمل بإجراءاتها الأخيرة ضد حماس والقطاع أولاً ... مصر تدعو للتزامن بين الخطوتين ... وهناك أيضاً خلاف جوهري حول موقع “الانتخابات في أجندة المصالحة، حماس تستأخرها والسلطة تستعجلها.
والحقيقة أن من يقرأ عناصر التوافق والتباين بين مبادرتي السلطة وحماس، يلحظ أنها تتركز أساساً حول الكيفية التي سينتزع فيها أي فريق مكاسب من الفريق الآخر، من دون أن يتخلى عن أي شيء بحوزته، لا السلطة تريد لحماس أن تلعب دوراً رئيساً (رفض عودة التشريعي والإطار القيادي المؤقت واستعجال الانتخابات وحل اللجنة وغيرها) ... ولا حماس تريد للسلطة أن تكون سلطة فعلية في القطاع، وعلى حساب سلطة الأمر الواقع والقبضة الحديدية التي تحكم بها الحركة القطاع وأهله (وقف العمل بالإجراءات، تفعيل المجلس والإطار، ترسيم وضع موظفيها، حكومة وفاق تقرر لاحقاً موعد إجراء الانتخابات من دون ذكر للكيفية التي ستحكم بها هذه الحكم القطاع المحكوم بحكومات ظل وأشباح)... وهذا السبب كان كامناً وراء فشل جميع المبادرات والمحاولات السابقة على أية حال.
الغريب أننا لم نقرأ في المبادرة المصرية شيئاً عن “المصالحة الفتحاوية الداخلية”، ومصير العقيد المنشق محمد دحلان، ومستقبل تفاهماته مع حماس ... لكن من المرجح أن مصر التي نجحت في “تعويم” دحلان في القطاع، ستسعى لتعويمه في الضفة كذلك، ولكن من ضمن مسار متدرج يبدأ بغزة، ولا ينتهي إلا في مرحلة “ما بعد عباس”.
يأتي ذلك كله، فيما انتفاضة القدس والأقصى لم تضع أوزارها بعد، وهي وإن كانت كافية لإرغام إسرائيل على التراجع عن خطواتها المشبوهة في الأقصى وأكنافه، (في أول انتصار تكتيكي يسجله الفلسطينيون على الاحتلال منذ سنوات)، إلا أنها لم تكن كافية على ما يبدو، لدفع طرفي الانقسام للتخلي عن حساباتهما السياسة والفصائلية الضيقة، ولم تنجح في خلق “قوة دفع” كافية لتجاوز الانقسام وولوج طريق المصالحة الوطنية... يبدو أن الأقصى بذاته، لم يعد سبباً كافياً لإنهاء الانقسام، كما يبدو أن “سخاء” المبادرات، لم يصل بعد إلى الحد المقبول من طرفي المعادلة وجناحي الحركة الوطنية والإسلامية الفلسطينية.
والمفارقة المحزنة، أن زحام المبادرات “السخيّة” غير المبشرة بأي أمل في المدى المنظور، يأتي في ذروة تقارب سياسي – ربما غير مسبوق بين الطرفين – حماس بعد الوثيقة والسلطة التي يبدو أن رئيسها – كما تقول التقارير – قد وصل إلى جدار مسدود مع حساباته ورهانات عمره في انتزاع حل سياسي – تفاوضي من براثن وأنياب حكومات إسرائيل المتعاقبة، والتي راوحت جميعها ما بين اليمين واليمين المتطرف وأقصى اليمين, الأمر الذي يعيد التأكيد مجدداً على حقيقة طالما أكدنا عليها، وهي أن الانقسام لا ينهض على خلاف سياسي – برامجي أساساً، بل ينبع من صراعات على السلطة وحسابات الأطراف الأنانية جداً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زحام المبادرات «السخاء» وحده لا يكفي زحام المبادرات «السخاء» وحده لا يكفي



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 08:47 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تيك توك يتخلص من أكثر من 200 مليون فيديو مخالف خلال 3 أشهر

GMT 02:26 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

احتياطيات ورأسمال بنوك الإمارات تتجاوز 136 مليار دولار

GMT 03:01 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدفاع الجديدي يهزم حسنية أكادير

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ميناء طنجة المتوسط يحصل عل قرض من مؤسسة التمويل الدولية “IFC”

GMT 22:42 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب الطرق تواصل حصد أرواح المغاربة

GMT 21:19 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر

GMT 18:13 2023 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

بلينكن يُعلن دعمه المستمر لكييف في الحرب الروسية الأوكرانية

GMT 05:00 2024 الأربعاء ,13 آذار/ مارس

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 13 مارس/ آذار 2024
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib