الأقلمة والتدويل وسلال كوشنر الفارغة

الأقلمة والتدويل وسلال كوشنر الفارغة

المغرب اليوم -

الأقلمة والتدويل وسلال كوشنر الفارغة

بقلم - عريب الرنتاوي

إن صحت التقديرات، بأن الوفد الثلاثي الأمريكي برئاسة جارد كوشنر، سيطوف المنطقة بسلال ثلاث فارغة، أو محملة ببضاعة فاسدة، لا مصلحة للفلسطينيين بها (سلة أمنية وثانية اقتصادية وثالثة إقليمية)، فإن من المنطقي التساؤل عن السبب الذي يدعو إدارة ترامب لاستمرار التحرك على مسار “الوساطة” بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهي التي تدرك أنها بانحيازها المطلق لإسرائيل ويمينها، تطلق النار على أقدامها، وتصنع سداً يحول دون نجاحها في إنجاز “صفقة القرن”، أو المجيء بما تستطعه الإدارات التي سبقتها.
واشنطن تنتهج على المسار الفلسطيني، كما في بقية أزمات المنطقة المشتعلة، استراتيجية “إدارة الأزمات” وليس حلها، حتى وإن أفضى ذلك إلى إطالة أمد هذه الأزمات وارتفاع كلفها المادية والبشرية، وهذا أمرٌ لا يقلق واشنطن، بل يخدم مصالحها، طالما أن دول المنطقة وشعوبها ومجتمعاتها، هي من يدفع هذه التكاليف وتقطف ثمارها المرة، فيما هي تكتفي بإبرام الصفقات الفلكية وتستحوذ على موجودات الصناديق السيادية لهذه الدول، وتعزز مكانتها ومكانة حليفتها الاستراتيجية الوحيدة في المنطقة: إسرائيل.
في الحالة الفلسطينية، ثمة وظيفة أولى لاستراتيجية “إدارة الأزمات”، وهي تمكين إسرائيل من الوقت الذي تحتاجه لإتمام مشاريعها الاستيطانية – التوسعية، وإحكام قبضتها على ما تبقى من “فلسطين المفيدة”، وهي بالقاموس الإسرائيلي، أوسع مساحات من الأرض بأقل عدد من السكان، ولا بأس إن كانت ترقد فوق أحواض مائية جوفية هائلة، أو يمكن تحميلها بالرموز التاريخية والدينية الدالة على “الحق الإلهي” لـ “شعب الله المختار” في “أرض الميعاد”.
أما الوظيفة الثانية، لهذه الحركة الممتدة منذ سنوات وعقود، وبلا بركة على الإطلاق، فهي تفادي ترك المنطقة للفراغ، الذي قد يملأه الفلسطينيون بخيارات وبدائل أخرى ... هنا والآن، وفي هذا التوقيت بالذات، فإن مشروع “أقلمة” الحل، أنما يضرب عصفورين بحجر واحد: الأول، تقديم خدمة جليلة لإسرائيل بتطبيع علاقاتها، مجاناً، مع عديد الدول العربية والإسلامية، والثانية، قطع الطريق على مشروع الفلسطينيين المتردد بـ “تدويل” قضيتهم، ووضعها على جدول أعمال المنتظم الدولي، بعد سنوات من الاختطاف الأمريكي – الإسرائيلي المزدوج لهذه القضية.
قبل يومين أو ثلاثة أيام، ومن على شاشة التلفزيون الفلسطيني، قلنا بحاجة القيادة الفلسطينية للسير على مسارات متوازية، لا يرتبط أحدها بالآخر ولا ينتظره، فاستقبال جارد كوشنر وصحبه، وتمحيص ما بحوزته من سلال وما بجعبته من مشاريع وأفكار، يجب ألا يؤخر للحظة واحدة، مسعى الفلسطينيين لاجتراح استراتيجية وطنية بديلة، يقع “التدويل” في قلب هذه الاستراتيجية، فالخروج من قفص الارتهان للوسيط الأمريكي، الذي أصبح مع مجيء إدارة ترامب، أكثر تطرفاً وصهيونيةً من عتاة اليمين الإسرائيلي الديني والقومي، بات اليوم مهمة لا تحتمل التأجيل أو الانتظار ... وعلى القيادة الفلسطينية أن تعود إلى ما سبق أن أعلنته هي بالذات: البحث عن “آلية دولية” جديدة للتعامل مع المسألة الفلسطينية، تحاكي الآلية التي اعتمدت للوصول إلى الاتفاق النووي بين إيران والمجتمع الدولي، ودائماً تحت مظلة الأمم المتحدة ومرجعياتها.
وثمة فرصة قريبة لاختبار هذه الاستراتيجية، تتمثل في التئام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثانية والسبعون، ومن على منصتها ومنابرها، يتعين الشروع في ترجمة مشروع “تدويل” المسألة الفلسطينية، فـ “الأقلمة” التي يعدنا السيد ترامب وموفدوه بها، ليست في واقع الحال، سوى تفريط بمركزية القضية الفلسطينية وأولويتها، وجعلها مجرد صراع ثانوي على جدول أعمال المنطقة المزدحم بالأزمات، وخدمة مجانية لإسرائيل التي تتطلع للانخراط أمنياً وعسكرياً واقتصادياً ومالياً في “حلف شرق أوسطي جديد”، وتبدو الأكثر تأهيلاً لقيادته وتوظيفه وتحويله إلى “دجاجة تبيض ذهباً”، ودائماً على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية وحقوقه الثابتة في أرضه ومقدساته وحريته واستقلاله.
لا نقترح أبداً، إدارة الظهر للحراك السياسي والدبلوماسي الإقليمي والدولي، فذلك “ترفٌ” غير متاح للفلسطينيين في شرطهم الراهن، ولكننا نشدد على أن المرحلة الاستراتيجية التي تدخلها القضية الفلسطينية، تستوجب البحث عن سياسات وبدائل وأدوات كفاحية جديدة، لعل “التدويل” أحد تجلياتها، وإن كان لا يختصرها، سيما وأن أداء واشنطن في المنطقة، يظهر على نحو ملموس أنها لم تعد اللاعب الوحيد في المنطقة، والمؤكد أنها لم تعد تملك 99 بالمائة من أوراق الحل، ومن ينظر إلى ما يجري في كافة الأزمات المفتوحة في الإقليم، يدرك أن واشنطن لاعب رئيس ولكنه غير متفرد، وأحياناً غير مهيمن.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأقلمة والتدويل وسلال كوشنر الفارغة الأقلمة والتدويل وسلال كوشنر الفارغة



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء

GMT 22:53 2017 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المغربي ينجح في اختراق جرائم العصابات المنظمة

GMT 23:47 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلى علوي تستعيد ذكرياتها في الطفولة في "صالون أنوشكا"

GMT 06:26 2016 السبت ,24 كانون الأول / ديسمبر

عبود قردحجي يُؤكِّد أنّ 2017 ستكون مختلفة لمواليد "الجدي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib