أردوغان في عمان كيف أصبحت الزيارة ممكنة

أردوغان في عمان... كيف أصبحت الزيارة ممكنة؟

المغرب اليوم -

أردوغان في عمان كيف أصبحت الزيارة ممكنة

بقلم - عريب الرنتاوي

ما كان للزيارة التي سيبدأها الرئيس التركي اليوم للأردن أن تتم قبل ثلاث أو أربع سنوات، حين كانت فجوة المواقف والرهانات بين الجانبين على اتساعها ... الزيارة باتت ممكنة، بل ومرحب بها، بعد جملة التحولات التي شهدها الإقليم، وبعد سلسلة الاستدارات التي سجلتها السياسة الخارجية التركية خلال هذه الفترة.
ليس خافياً على أحد، أن أنقرة وعمان، تموضعتا في محورين متقابلين عربياً وإقليمياً طوال سنوات الربيع العربي... تركيا، إلى جانب قطر، انحازتا لجماعة الإخوان المسلمين في الإقليم، وناصبتا نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي أشد العداء، في حين كان الأردن ومعه عدد مما يُسمى “دول الاعتدال العربي”، في موقع الداعم سياسياً ومادياً لنظام 30 يونيو، لتشهد العلاقة مع القاهرة،فصلاً غير مسبوق، من فصول ازدهارها.... اليوم تغير المشهد، ليس بتغير المواقف، وإنما لتآكل دور الجماعة وتضاؤل حضورها على الساحة الإقليمية.
في سوريا، بدا أن الجانبين لا يتشاطران الرؤية ذاتها، ولا يدعمان الأطراف ذاتها، بل ويتوفران على مقاربتين مختلفتين للتعامل مع الأزمة السورية ... مرة أخرى، يبرز الموقف من الجماعات الإسلامية المسلحة، على اختلاف تلاوينها، سبباً في الخلاف، ولطالما تسربت إلى دوائر صنع القرار في عمان، مخاوف من نزعة هيمنة سلطانية، تجتاح أنقرة، جراء ما اعتقدت أنه لحظة نادرة في تاريخ المنطقة، يتعين اقتناصها لاستعادة مجد امبراطوري غابر.
وفيما كان الأردن الشعبي على اختلاف ألوانه وتوجهاته، يراقب باهتمام تطور “التجربة الديمقراطية التركية الناشئة”، كانت تنتاب الأردن الرسمي مخاوف من مغبة التعامل مع الديمقراطية كحافلة يستقلها الإسلاميون للوصول إلى محطة السلطة، ثم يغادرونها بعد ذلك، بل وقد يعملون على تعطيلها وتفريغ عجلاتها من الهواء... والمؤكد أن “الكيمياء” بين قيادتي البلدين لم تكن لتفعل فعلها، أقله على المستوى الأول، وعلى النحو الكافي.
لكن المميز في العلاقة الأردنية – التركية، أنها حافظت على مختلف مناحي التعاون الاقتصادي والتجاري والسياحي والثقافي بالرغم من اتساع فجوة الخلاف السياسي، وهذا أمرٌ عقلاني بامتياز، يحسب لصالح القائمين على هذه العلاقات، وليس عليهم، وساهم إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين، في توسيع هوامش التبادل والانتقال والحركة فيما بينهما، والتي ازدهرت في السنوات الأخيرة، كما لم يحدث من قبل في تاريخ البلدين.
ولم تَحل الخلافات السياسية بين البلدين دون استمرار التواصل بينهما، وعلى أرفع المستويات، زيارات متبادلة وسفارات نشطة ولقاءات لم تنقطع لقادة البلدين وممثلي الفعاليات الشعبية والمدنية والحزبية ... ظل التفاعل حيوياً، ولم يفسد الخلاف السياسي للود الشعبي أي قضية.
ولعل التطور الأهم، الذي سيسهم في إذابة أي جليد قد يكون تراكم تأسيساً على اختلاف الرؤى– وربما المصالح – إنما يتجلى في الموقف الصلب الذي أعلنه السيد رجب طيب أردوغان في أثناء أزمة الأقصى، حين ثمّن الرعاية الهاشمية للمقدسات الإسلامية، ودعا لدعمها وإسنادها، حتى لا ينشأ الفراغ الخطر، الذي سيمكّن إسرائيل وحدها من ملئه.
تركيا والأردن، انخرطتا في مسار أستانا، وهما تؤيدان مناطق “خفض التصعيد”، وسوريا ذاهبة إلى حل سياسي، بدءاً من هذه المناطق، فيما الأحلام الإمبراطورية تكسرت على صخرة الحضور الدولي الكثيف في الأزمة السورية، ونجاح النظام وحلفائه في البقاء والصمود برغم الريح العاتية،بل وتمكنه من استعادة مساحات واسعة من سوريا، وتحول مركز اهتمام المجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب، بدل إسقاط النظام ... هذه التطورات، وغيرها، رسمت سقوفاً لأدوار اللاعبين الإقليمين وطموحاتهم، ومن ضمنهم تركيا، وأسست لتقارب وجهات النظر بين عمان وأنقرة.
العراق يكاد ينتهي من حربه على داعش، واللغة التي اعتمدتها أنقرة في مخاطبة بغداد ورئيس الحكومة العراقية، لم تعد صالحة اليوم بتاتاً، والأدوار الإقليمية – ربما باستثناء الدور الإيراني – في تآكل على هذه الساحة، وليس أمام أنقرة من خيارات عديدة، سوى التعاون مع بغداد، فمرحلة فرض الإملاءات، وسؤال “من أنت؟”، أو تعبير “لست بمستواي” باتت من الذكريات غير السارة في سجل العلاقات العراقية - التركية.
خلال العامين الفائتين، اضطرت أنقرة للهبوط من على أشجار عالية كثيرة، وسجلت سياساتها الخارجية العديد من التحولات والاستدارات، وهبط سقف توقعاتها وباتت أكثر واقعية، لم تفعل ذلك طائعة، بل مكرهٌ أخاك لا بطل، سيما بعد أن فقد حلفاؤها في المنطقة (قطر والإخوان على وجه الخصوص) الكثير من أوراق قوتهم ونفوذهم، بل وباتوا محاصرين في غير ساحة ومحفل، وربما هذا ما جعل زيارة كالتي ننتظرها اليوم، أمراً ممكناً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أردوغان في عمان كيف أصبحت الزيارة ممكنة أردوغان في عمان كيف أصبحت الزيارة ممكنة



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء

GMT 22:53 2017 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المغربي ينجح في اختراق جرائم العصابات المنظمة

GMT 23:47 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلى علوي تستعيد ذكرياتها في الطفولة في "صالون أنوشكا"

GMT 06:26 2016 السبت ,24 كانون الأول / ديسمبر

عبود قردحجي يُؤكِّد أنّ 2017 ستكون مختلفة لمواليد "الجدي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib