السعودية وإيران هل آن أوان «خفض التصعيد»

السعودية وإيران: هل آن أوان «خفض التصعيد»؟

المغرب اليوم -

السعودية وإيران هل آن أوان «خفض التصعيد»

بقلم - عريب الرنتاوي

انشغلت وسائل الإعلام بتصريحات وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي، التي كشف فيها عن طلب سعودي للعراق للتوسط بين المملكة وإيران ... إيران استقبلت الأنباء بترحيب مثقل بالتفسيرات والشروط، فيما المملكة لاذت بالصمت، ولم يصدر عنها ما ينفي أو يؤكد أمراً كهذا.
لكن سواء طلب المسؤولون السعوديون من ضيفهم العراق (المقصود هنا هو الدكتور حيدر العبادي رئيس الوزراء) أن يبذل مساعيه الحميدة على خط الرياض - طهران، أو أنهم اكتفوا بالكشف عن نوايا واستعدادات حسنة، تلميحاً لا تصريحاً، حيال مبادرة من هذا النوع، فإن الأمر الذي بات من شبه المؤكد، ان المملكة بصدد استحداث تغيير على مقاربتها لإيران، ولقد شهدنا إرهاصات هذا التغيير في غير مناسبة وساحة.
لعل أول وأهم مؤشر على التغيير، إنما يتعلق بالملف الشائك والدامي الذي باعد ما بين البلدين، والمتعلق بالحجيج الإيراني إلى مكة والمدينة، فالمملكة أاستقبلت وفوداً إيرانية متعاقبة، والإعلام السعودي غطى بـ “نفس إيجابي” التفاهمات بين الجانبين حول ترتيبات الحج، وثمة ما يؤكد أن تقدماً كبيراً قد طرأ على هذا الملف.
ثاني أهم مؤشر على التغيير، إنما يتجلى في الموقف السعودي من الأزمة السورية، فالنصائح التي أدلى بها الوزير عادل الجبير لرئيس هيئة المعارضة رياض حجاب والوفد المرافق له، مثلت نوعاً من الاستدارة في السياسة السورية للرياض، حيث باتت الحرب على الإرهاب، وليس إزاحة الأسد، هي الأولوية الأولى، وعليه سيتعين على المعارضة أن تكون أكثر واقعية وعقلانية، وأن تتحضر للعيش والتعايش مع الأسد ونظامه، فضلاً عن قيامه بحث منصة الرياض على الانفتاح وتوحيد الموقف والراية مع منصتي  موسكو والقاهرة، في مغادرة للمواقف التقليدية للمملكة طيلة سنوات سبع عجاف من عمر الأزمة السورية.
أما ثالث أهم هذه المؤشرات، فيتمثل في الانفتاح غير المسبوق، وعلى أرفع مستوى،على الحكومة العراقية والمكون الشيعي العراقي ... الوزير الجبير زار بغداد والتقى العبادي غير مرة، وقائد الجيش السعودي زار العراق وتباحث مع نظرائه، والرياض استقبلت رجل الدين والسياسي الشيعي العراقي مقتدى الصدر، وفتحت له أبواب العواصم الخليجية الأخرى لزيارتها، فيما البحرين، اقتفت أثر السعودية في انفتاحها على بغداد.
أما رابع هذه المؤشرات، فيمكن استشفافه من زيارة الموفد الدولي إسماعيل ولد الشيخ إلى طهران في إطار جولة شملت الرياض، وفيها تقدم بطلب أممي لطهران للتدخل إيجاباً لصالح البحث عن حل سياسي للأزمة اليمنية، الأمر الذي قوبل بترحيب من القيادة الإيرانية، ونظر إليه مراقبون على أنه ما كان ليتم، من دون ضوء أخضر سعودي، وبعضهم قال من دون طلب سعودي مباشر.
قبل هذه التطورات بكثير، كانت الرياض وطهران قد نجحتا في تحييد خلافاتهما السياسية والتوصل إلى تفاهمات مباشرة وغير مباشرة حول ملفين اثنين رئيسين: الأول، اتفاق الجزائر لتخفيض سقف الإنتاج لمنظمة أوبك وهو الأول من نوعه منذ العام 2008، والثاني، صفقة عون – الحريري في لبنان، التي انهت فراغاً رئاسياً طال واستطال، ووضعت الأول في قصر بعبدا رئيساً للجمهورية والثاني في السراي الحكومي رئيساً للوزراء.
في هذا السياق، تبدو تسريبات الأعرجي من النوع القابل للتصديق، حتى وإن صدر ما يشكك في مستوى دقتها، فالصراع السعودي – الإيراني الذي يندلع بالوكالة في غير ساحة وعلى غير صعيد، كان مكلفاً لطرفيه، فسلاح النفط انتاجاً وتسعيراً انعكس سلبا على الاقتصادات السعودية والخليجية، ولم يقتصر أثره كما خطط له عند استعماله، للضغط على موسكو وطهران لتغيير مواقفهما في سوريا ... والأزمة السورية خرجت من دائرة التأثير الخليجي خصوصاً بعد تعاظم أدوار اللاعبين الدوليين والإقليميين الآخرين، وبالأخص بعد اندلاع ما بات يعرف باسم “الأزمة الخليجية مع قطر”، واليمن أصبح عنواناً لأبشع كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية من دون أن ينجح التحالف العربي في تحقيق أهدافه بإعادة الشرعية إلى صنعاء رغم مرور ثلاثين شهراً على هذه الحرب المدمرة ... أما العراق، فقد بات ساحة تقاسم نفوذ بين واشنطن وطهران، لا مطرح فيها لأي لاعب عربي آخر.
لقد بدا واضحاً أن كلفة حروب الوكالة الأكبر تدفع من “كيس” الجانب العربي، وليس من الكيس الإيراني، على الرغم من الأضرار التي لحقت بإيران في غير ساحة وعلى مستوى الداخل (كلف بشرية ومالية)، ويبدو أن قيادة المملكة بصدد تغيير مقارباتها ووجهة سيرها في المرحلة المقبلة، وهو مسار نعتقد أنه سيكون صعباً وطويلاً، سيما وأن القضايا موضع الخلاف والاختلاف كانت وما زالت من النوع الثقيل ... لكن قطار المصالحة، أو بالأحرى، “خفض التصعيد” قد بدأ يغادر المحطة التي تجمّد فيها لعدة سنوات، وما تصريحات الأعرجي سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد على ما يبدو.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السعودية وإيران هل آن أوان «خفض التصعيد» السعودية وإيران هل آن أوان «خفض التصعيد»



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء

GMT 22:53 2017 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المغربي ينجح في اختراق جرائم العصابات المنظمة

GMT 23:47 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلى علوي تستعيد ذكرياتها في الطفولة في "صالون أنوشكا"

GMT 06:26 2016 السبت ,24 كانون الأول / ديسمبر

عبود قردحجي يُؤكِّد أنّ 2017 ستكون مختلفة لمواليد "الجدي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib