الأردن وسوريا الثابت والمتحول

الأردن وسوريا... الثابت والمتحول

المغرب اليوم -

الأردن وسوريا الثابت والمتحول

بقلم - عريب الرنتاوي

بدت كتابات المعلقين وتصريحات الفعاليات السياسية والاقتصادية مرحبة بالانفراج الذي لاح في أفق العلاقة الأردنية – السورية، لكأن غُمة انزاحت من فوق صدور الأردنيين، الذين يعيشون مناخات الحصار منذ عامين أو أزيد قليلاً، ظلت خلالها معابره الحدودية مع العراق وسوريا مغلقة تماماً في وجه حركة البضائع والأفراد والخدمات... الأمر الذي يعكس كذلك أجواء التفاؤل بقرب انتهاء أكبر أزمتين شغلتا الإقليم خلال السنوات السبع العجاف الفائتة.
لكن الأردنيين، رسميين وغير رسميين، لم يكتفوا بإبداء الارتياح والتعبير عن الترحيب بالانفراجة المنتظرة في علاقات عمان الثنائية بدمشق، بل حرصوا، ومن باب الإخلاص لنمط سياسي متبع، على التأكيد بأن “الموقف الأردني ثابت لم يتغير”، وأنه كان كذلك منذ بداية الأزمة، من دون تمييز بين ثابت ومتغير في هذا الموقف، لكأن الثبات صفة إيجابية دائماً، والتغيير سمة مذمومة على الدوام، ولا تليق بالمبادئ والقيم.
مع أن ما من أردني تلتقيه وتحاوره، إلا ويطالعك بعبارة “لا مواقف ثابتة في السياسة بل مصالح ثابتة”، عندما يتحدث عن مواقف مختلف الأطراف واللاعبين في أزمات المنطقة والعالم، هذه النظرية تفسر مواقف مختلف الأطراف، بيد أنها لا تليق بالأردن على ما يبدو، هنا تستصغر المصالح الثابتة، ويجري التركيز على المواقف الثابتة، مع أن الحال ليس كذلك، والسياسة الأردنية، كغيرها فيها الثابت والمتحول، أما الثابت فهو المصالح، فيما المتحولات، لا حصر لها.
الأردن طوال السنوات السبع العجاف الفائتة، كان أكثر دراية بـ “ما لا يريده من سوريا وفيها”، في حين كانت معرفته بـ “ما يريده” أقل وضوحاً ... الأردن لم يرد يوماً تقسيم سوريا وتبديد سيادتها ووحدتها، من منطلق أنه سيدفع أثماناً كبيرة من حالة عدم الاستقرار التي ستصيب الإقليم برمته، جراء تفعيل “مبدأ الدومينو” ... والأردن لم يرد يوماً انهيار الدولة ومؤسساتها وأجهزتها العسكرية والأمنية، فهذا خيار انتحاري كان ليترك سوريا والمنطقة للجحيم.
والآن لم يكن يريد من قبل، ولا يريد اليوم أو مستقبلاً، أن تحكم سوريا من قبل جماعات إسلامية، سلفية كانت أم إخوانية ... هذا ليس خياراً بالنسبة للأردن، حتى وإن لم يكن له فيه قولاً فصلاً ... والأردن لا يريد لإيران أن تكون جارته على حدوده الشمالية، لا بقواتها النظامية ولا حرسها الثوري ولا ميليشياتها المذهبية ... هذا تكرر على لسان كل مسؤول.
الأردن لم يكن يريد ولم يكن ليسمح، بأن تتحول مناطق جنوب سوريا، إلى ملاعب رحبة وملاذات آمنة لجماعات داعش والقاعدة بتسمياتها المختلفة ... الأردن لم يكن يريد، وما كان ليسمح بأن تتحول درعا إلى “أنبار ثانية”، وهو الذي اكتوى بنار “الأنبار الأولى” خلال الفترة من 2005 – 2009، وكان على استعداد لأن يفعل كل ما يمكن فعله للحيلولة دون تكرار التجربة، حتى وإن اقتضى الأمر انتهاج تكتيك “الدفاع في العمق”، أو تشجيع صحوات محلية أو دعم فصائل معتدلة ... كل هذا فعله الأردن في غرب العراق أولاً وفي جنوب سوريا تالياً، ودائماً من ضمن استراتيجية دفاعية – وقائية، وبأجندة لا تستهدف  المركز ونظام الحكم أو تسعى في طي هذا النظام تحت جناح هذا المحور أو ذاك، فهذه لعبة فوق طاقته وقدراته .
ربما  لم يكن الأردن يرغب في أن يرى نظام الأسد وقد تمدد في تجربة حكم سوريا، ربما كان الأردن يرغب بنظام جديد، أو وجوه جديدة من النظام القديم، ليس شرطاً أن يكون ديمقراطياً، فهذه ليست أولوية الأردن ، ومن باب أولى ألا تكون من ضمن أولويات سياسته الخارجية ... لكن ليس كل ما تتمنى الدول تدركه، تأتي رياح الأحداث بما تشتهي السفن أحياناً، وربما غالباً.
الأردن لم يكن لاعباً منفرداً على الساحة السورية، ولا حتى على الجبهة الجنوبية، في الأولى لم يكن لاعباً ذا تأثير، أما في الثانية فكان لاعباً وازناً ... كان عليه أن يراعي مواقف حلفائه، من دون أن يتماهى معها، وأن يأخذ بنظر الاعتبار حساباتهم وردود أفعالهم النزقة غالباً، ولكن من دون الانصياع لها تماماً ... كان عليه أن يقاوم الأوهام بقرب حدوث التغيير في سوريا، وقد نجح حيناً في مقاومتها، لهذا يقال أن الأردن أمسك العصا من منتصفها، وليس في ذلك عيباً أو نقيصة، وما كان له أن يمسكها من طرفها أساساً، ومصلحته العليا التي يتعين أن توجه سياساته الخارجية والأمنية والدفاعية، تملي عليها أن يتموضع في منزلة بين منزلتين، فلا هو مع “أصحاب الرؤوس الحامية” الذين ما كانوا ليقبلوا بأقل من الإطاحة والإسقاط والتنحية، ولا هو من “محور المقاومة والممانعة” ... لقد اختار الأردن مصالحه، وأدار اللعبة بقدر عالٍ من الاتزان والتوازن، إلى أن جاءت لحظة الحقيقة والاستحقاق، التي دشنتها بثينة شعبان بتصريحات إيجابية حيال الأردن واستكملها محمد المومني برد التحية بمثلها، حتى لا نقول بأحسن منها.
وإذا كان التدخل الروسي في سوريا في الثلاثين من أيلول 2015 إنقاذاً للنظام من خطر سقوط وشيك، فقد جاء بمثابة طوق نجاة للأردن، الذي أُرهقته دبلوماسية لفرط المسير في حقول الألغام ... فكان هذا التدخل بوابة التهدئة وخفض التصعيد في الجنوب، وحجّم هذا التدخل مواقف وأدوار دولية وعربية وإقليمية، كانت تضغط على الأردن في اتجاهات لا يريدها، وأصبح لدى هذه الدبلوماسية هوامش أوسع للمناورة، وغرف أرحب لحرية الحركة... إلى أن تبدّل المشهدان الإقليمي والدولي، وبات الأسد جزءاً من الحل بعد أن كان يختصر المشكلة ويختزلها.
حافظ الأردن على ثوابت معنية في النظر للأزمة السورية، لكن مواقفه التكتيكية صعدت وهبطت، انعطفت يمنة ويسرة، أخطأ وأصاب، وظلت الثوابت، أو “المصالح العليا” هي المنارة التي توجه السفينة إلى شواطئ الأمان، وكان إمساك العصا من منتصفها، وسيلة اللاعب الأردني لتفادي السقوط من فوق حبل مشدود ... فإن لم تكن هذه هي السياسة، فما هي السياسة إذن؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأردن وسوريا الثابت والمتحول الأردن وسوريا الثابت والمتحول



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء

GMT 22:53 2017 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المغربي ينجح في اختراق جرائم العصابات المنظمة

GMT 23:47 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلى علوي تستعيد ذكرياتها في الطفولة في "صالون أنوشكا"

GMT 06:26 2016 السبت ,24 كانون الأول / ديسمبر

عبود قردحجي يُؤكِّد أنّ 2017 ستكون مختلفة لمواليد "الجدي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib