لافروف – تيلرسون والكلمة الفصل

لافروف – تيلرسون والكلمة الفصل

المغرب اليوم -

لافروف – تيلرسون والكلمة الفصل

بقلم : عريب الرنتاوي

لم يحذُ ركس تيلرسون حذو نظيره البريطاني بوريس جونسون الذي ألغى زيارته لموسكو احتجاجاً على دعمها لنظام الرئيس الأسد، بل قرر الذهاب إلى لقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف، لأن مفاتيح حل الأزمة السورية، تتوزعها جيوب الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين ... لافروف الذي اكتشف متأخراً، أن لا جدوى من الحديث مع "الوكيل/بريطانيا"، طالما بقي قابعاً في ظلال "الأصيل/أمريكا"، ارتأى أن استقبال زعيم الدبلوماسية الأمريكية، يُغني عن الحديث مع أزيد من نصف دزينة من وزراء خارجية مجموعة السبع الكبار ومعهم بعضٍ من حلفائهم الإقليميين ... كل ما أحدثه التأزم الأخير بين موسكو وواشنطن، على جدول أعمال الزيارة الأولى للوزير الأمريكي للعاصمة الروسية، لم يتخط "حذف" اللقاء مع بوتين من برنامج العمل، وإن كان أمر اللقاء بحدث ذاته، سيظل مرهوناً بنتائج المحادثات على المستوى الوزاري.

أنظار المتورطين بالأزمة السورية والمهتمين بمستقبل العلاقات الأمريكية الروسية، تتجه إلى موسكو اليوم، هناك والآن، ستتضح ملامح العلاقات بين القطبين في المرحلة المقبلة، ومعالم الطريق التي ستسلكها الأزمة السورية على نحو خاص ... هناك والآن، سيجري التعرف على حجم الأثر الذي أحدثته الجريمة في خان شيخون والعقاب في "الشعيرات"، إن لجهة تغيير قواعد اللعبة في سوريا، أو على مسار الحل السياسي للأزمة السورية، مساري أستانا وجنيف.

اختار تيلرسون أن يذهب إلى موسكو في أول رحلة بصفته الدبلوماسية الجديدة، مدججاً بأوراق القوة والاقتدار ... فهو يأتيها بعد أول عمل عسكري أمريكي مباشر يستهدف النظام السوري، وهو مرّ بالعاصمة الإيطالية روما، حيث استجمع هناك، كافة "التواقيع" المطلوبة، لتدعيم الموقف التفاوضي الأمريكي قبالة المفاوض الروسي، حتى أن بعض الأطراف العربية والإقليمية والدولية في اجتماعات روما الوزارية، صعّدت من وتيرة لهجتها لا ضد سوريا وإيران فحسب، بل وضد روسيا كذلك، مقترحةً التوسع في فرض عقوبات عليها، ووضعها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تعود فتكون العضو الثامن في مجموعة الكبار، وتحت الزعامة الأمريكية، وإلا فلتتحمل كلفة التحالف مع "الشيطان" السوري – الإيراني.

لكن بعيداً عن "الأسطوانة" التي ما كف الوزير الفرنسي جاك مارك إيرلوت عن تكرارها، أو تهديدات بوريس جونسون التي تبدو كمشهد مقتطع من "مسرح العرائس"، فإن الوزير الأمريكي رسم في تصريحاته الإطار العام للموقف الأمريكي الذي سيطرح على مائدة المفاوضات في موسكو، ويمكن تلخيصه بنقطتين اثنتين: الأولى؛ أن الأولوية للولايات المتحدة في سوريا والعراق ما زالت القضاء على داعش، من دون أن نغفل عن الأولوية الثانية المتمثلة في تحجيم النفوذ الإيراني في البلدين وغيرهما.... والثانية؛ لا حل عسكرياً للأزمة السورية، وأن واشنطن ما زالت على موقفها المؤيد للحل السياسي للأزمة، أما مصير الأسد، فيبحث في إطار هذه العملية، وليس بوسائل أخرى ... هنا يمكن القول إن جديد الموقف الأمريكي بعد الجريمة والعقاب، يتمثل في التشديد على رحيل الأسد عن مستقبل سوريا، بعد أن كان الأمر متروكاً للشعب السوري يقرره "على المدى البعيد"... وهذا تطور هام وجوهري، سيترك آثاره على مجمل العلاقات والأدوار الروسية والأمريكية في سوريا.

موسكو رفعت السقف، مسبقاً ومقدماً، ميدانياً بالكشف عن مزيد من إجراءات بناء القوة في سوريا، والتلويح بتزويد النظام بأسلحة متطورة، وتسخين خط التواصل مع طهران ودمشق، وصولاً "للقوى الحليفة والرديفة"، والتهديد بأن أية ضربات تستهدف جنودها لن تمر من دون رد فوري، بل والتلويح باحتمالات الرد في المرات القادمة عموماً ... أما سياسياً فقد أعادت موسكو التأكيد على روايتها بخصوص ما جرى في خان شيخون، واعتبار المطالبة برحيل الأسد، أمراً غير بناء، ويعقد الحرب على الإرهاب ويعطل مسار الحل السياسي للأزمة ... من يتأمل في تصريحات الفريقين، يرى أنهما عادا للمربع الأول، ربما إلى العام 2013 – 2014، مع فارق وحيد، أن بوتين بنى لنفسه منازل عديدة في سوريا خلال هذه الفترة، فيما ترامب، نجح برشقة صواريخ واحدة، في إعادة الاعتبار لواشنطن كشريك أساسي، يرسم خطوطاً حمراء، ويقرر الممنوع والمسموح عمله في بلاد الشام وأرض الرافدين.

لن تستسلم موسكو وحلفاؤها لما يريده سيد البيض الجديد، ولن تفرط بكل ما حققته طوال أعوام ست عجاف ... وثمة في جعبة هذا المحور، ما يكفي من الأرواق، للدخول في مواجهات ومناوشات على شتى المحاور وبمختلف الأدوات ... لكن واشنطن، بعد "الشعيرات" لن تعود إلى دور المراقب، ولن تطلب الإذن من أحد في سوريا، ولن تقبل بأقل من علاقة ندية – بالحد الأدنى - ... وتريد أن تكون لها كلمتها المسموعة في كل ما خص الشأن السوري ... التفويض الأمريكي لروسيا بإدارة الملف الروسي، انتهت صلاحيته في السابع من نيسان / أبريل عام 2017.

لا مصلحة للقوى الدولية الأساسية بمزيد من التدهور في العلاقات بين موسكو وواشنطن ... معظم دول أوروبا تندرج في هذا السياق، وحدها بريطانيا تغرد خارج هذا السرب، أما الطاقم الذي يحكم فرنسا، فلن تتاح له الفرصة للمشاركة في الاجتماعات القادمة ... إقليمياً، تبدو بعض العواصم العربية (وليس جميعها) وأنقرة، في موقع المرحب بهذا التوتر، لحسابات ضيقة وقصيرة النظرة، ثأرية في غالبها الأعم، مع أن التفكير المنطقي بمصالح العباد والبلاد، يفضي إلى خلاصة مفادها أن الحلول السياسية لأزمات المنطقة المشتعلة، بدءاً بسوريا، تأتي ثمرة التوافق لا التباعد، بين القطبين.

على أية حال، لا حاجة بنا للدخول في معمعان التكهنات والتقديرات، فاليوم أو غداّ سنتعرف على نتائج أو مواجهة دبلوماسية أمريكية – روسية، وعندها فقط، سنتعرف على وجه سير الأحداث وتطورها ... عندها، وعندها فقط، سنكون قادرين على تمييز الثابت عن المتحول في مواقف نصف دزينة من العواصم الإقليمية والدولية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لافروف – تيلرسون والكلمة الفصل لافروف – تيلرسون والكلمة الفصل



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:17 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 03:28 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

يستقبل الرجاء الكوديم والوداد يواجه الفتح

GMT 03:05 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

تواركة يعمق جراح شباب المحمدية

GMT 08:39 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة البتكوين تتخطى 80 ألف دولار للمرة الأولى في تاريخها

GMT 02:38 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تسعى لشراء قمح في ممارسة دولية

GMT 19:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 00:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

دبي تعلن عن أكبر صفقة عقارية هذا العام بأكثر من 137 مليون دولار

GMT 15:58 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب الفاسي يسدد ديون الضمان الاجتماعي

GMT 06:55 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

طريقة عمل بروتين لشعرك من "المواد الطبيعة"

GMT 01:31 2023 الثلاثاء ,17 كانون الثاني / يناير

آرون رامسديل يتعرض للانتقادات في آرسنال

GMT 20:41 2020 الأحد ,26 تموز / يوليو

غرف نوم باللون التركواز

GMT 03:47 2019 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

ثعلب وسنجاب بطلا أفضل صورة للحياة البرية لعام 2019

GMT 11:48 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

شخصيات في حياة أحمد زكي والعندليب

GMT 00:01 2013 الأحد ,09 حزيران / يونيو

فقمة القيثارة مخلوق غريب لايتوقف عن الأبتسام

GMT 12:14 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السعادة المؤجلة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib