استفتاء كردستان الشخصي والعام والتوقيت«المفخخ»

استفتاء كردستان: الشخصي والعام والتوقيت«المفخخ»

المغرب اليوم -

استفتاء كردستان الشخصي والعام والتوقيت«المفخخ»

بقلم - عريب الرنتاوي

لا إجماع كردياً على “توقيت” إجراء الاستفتاء، بيد أن الأكراد مجمعون على ممارسة حقهم في تقرير مصيرهم، بما في ذلك الانفصال في دولة مستقلة، أقله هناك أغلبية كاسحة تريد ذلك ... هذه حقيقة يتعين على العرب العراقيين، والعرب عامة، أن يقروا بها ويتقبلوها ويتصرفوا بهديها، فما من وحدة يمكن أن تنشأ على الإرغام، والوحدة كرقصة التانغو بحاجة لشريكين.
وثمة غالبية كردية وازنة، ترى أن إصرار رئيس الإقليم مسعود البرزاني على إجراء الاستفتاء في هذا التوقيت المفخخ بالعراقيل والعوائق، إنما يعود لنزوعه الشخصي للسيطرة والهيمنة والاستئثار ... هذه مقاربة لا ينكرها سوى المُستتبعين لزعامة الرجل وحزبه وعائلته وعشيرته، سواء عن قناعة أو لارتباطات عائلية وجهوية، أو لأسباب انتهازية – منفعية محضة ... فالرجل في تجربته على مستوى حكم الإقليم، إنما يقتفي خطى الراحل صدام حسين في حكم العراق: نزوع ديكتاتوري، اعتماد على العائلة، هيمنة على مفاصل القوة والمال، تجديد وتمديد وتوريث ... لا جديد أبداً في تجربة البرزاني على هذا الصعيد، الضحية تتقمص صورة جلادها، ولكن على نحو كاريكاتوري، مثير للشفقة أحياناً.
لا وحدة وطنية فعلية داخل الإقليم، فما يربط أربيل بالسليمانية، أقل من رابط فيدرالي، فثمة كيانات متوازية، تخترق البيشمركة التي تبدو وحدتها ظاهرية فحسب، وهي مرشحة للانقسام عن أول محك جدي، والمؤسسات العامودية في العاملة في شطري الإقليمي أكثر صلابة من المؤسسات الأفقية، التي تبدو قشرة رقيقة تغطي بنى وكيانات متقابلة ومتنافسة، وقد تصبح مقتتلة ذات يوم، تماماً مثلما حصل في العام 1996، عندما استنجد البارزاني بصدام حسين للخلاص من قوات الطالباني التي بلغت قلب أربيل.
والعلاقة بين الإقليم والمركز شديدة الاضطراب، والطرق بين أربيل وبغداد ليست سالكة في الاتجاهين، وثمة العديد من الملفات العالقة، التي يكفي كل واحد منها، لتفجير حرب أهلية: مخصصات الإقليم، النفط، كركوك، سنجار وسهل نينوى وبقية المناطق المتنازع عليها... ملفات ثقيلة لم يشرع الطرفان بعد في مناقشتها، دعك من التفاهم حولها والاتفاق عليها.
والمشهد الإقليمي المحيط بالإقليم، يتسم بالعدائية الشديدة ... كردستان العراق في حال انفصالها، ستواجه مشاكل مع طهران وأنقرة، أشد خطورة وتفاقماً من مشاكلها مع بغداد ... يكفي أن مجرد الإعلان عن إجراء الاستفتاء في الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر المقبل، كان سبباً كافياً لتقريب الجارتين اللدودتين: تركيا وإيران، واتفاقهما على العمل سوياً لمواجهة هذا التحدي وقتال حزب العمال الكردستاني بجناحيه التركي والإيراني، بالإضافة إلى أجنحته الأخرى، أو الجماعات القريبة والمتعاطفة معه في كل من العراق وسوريا.
والوضع الدولي لم ينضج بعد للقبول باستقلال كردستان، أقله في المدى المنظور، فلا الولايات المتحدة متحمسة لفكرة الاستفتاء، والاستقلال استتباعاً، ولا روسيا بوارد القبول بفتح ساحة حروب ومعارك جديدة بين العرب والكرد، فيما الحرب على الإرهاب لم تضع أوزارها بعد، والوضع السياسي في كل من سوريا والعراق، يتسم بالهشاشة الشديدة، فمن ذا الذي يريد توريط المنطقة برمتها، في مستنقع حروب ومواجهات جديدة؟
البارزاني المنتهية ولايته، عطل البرلمان لعامين تقريباً، ولا شرعيات فعلية معترف بها تحكم الإقليم حالياً، لكن هاجس تجديد الشرعية والبقاء على رأس الحكم، مع رهط من الأبناء وأبناء العمومة والأصهار والأقارب، يداهم الرجل صبح مساء، وهو لا يتخيل سيناريو واحد لمستقبل كردستان، يكون فيه خارج موقع الزعامة وصنع القرار، لذلك تراه يقفز نحو أي مبرر لإبقاء القديم على قدمه، تارة الحرب على داعش والإرهاب، وأخرى المواجهة على خلفية الاستقلال القومي ... يبدو أن المستقبل الشخصي للرجل أهم لديه من مصير الإقليم، وحق شعبه في تقرير مصيره.
كل ذلك، وأكثر منه، لا يجب أن يكون سبباً في إحجام المركز والإقليم عن الخوض في حوار استراتيجي حول مستقبل العلاقة بينهما ... من جهة يجب على الأكراد ألا يتصرفوا بوحي من نظرية أن “العراق رجل المنطقة المريض” وأن الفرصة لاحت لانتزاع ما هو حق لهم، وما ليس لهم فيه أي حق من أي نوع ... وعلى العرب أن يوقنوا أن زمن القومية الإقصائية – الاستعلائية، وعصر “الزواج بالإكراه” قد انتهى، وأن المطلوب من الفريقين اليوم أكثر من أي وقت الذهاب إلى وحدة طوعية، فيدرالية حقاً، أو الطلاق بإحسان.
والطلاق بإحسان، هو السيناريو المرجح كردياً، وإن كان ليس السيناريو، في ظل مخاوف تجتاح بعض الكرد من مغبة الانزلاق إلى سيناريو جنوب السودان، وكابوس 1996 ما زال مخيماً فوق الرؤوس، وحدهم الحالمون يظنون أن تجربة انفصال الأكراد يمكن أن تحاكي تجربة انشطار تشيكوسلوفاكيا... في الشرط الكردي والإقليمي القائم، ومن أجل تفادي الانزلاق إلى أكثر السيناريوهات كابوسية، يتعين التفكير خارج الصندوق، والبحث عن حلول إبداعية للقضايا موضع التنازع والاختلاف.
فهل يمكن التفكير بكركوك والمناطق المتنازع عليها كمناطق حرة مثلاُ، تُسيير بإدارات مشتركة، وتفتح للعمل والاستثمار والازدهار بما يخدم مصالح جميع المكونات ... هل يمكن اعتماد خط حدود مرن بين الإقليم والمركز؟ ... هل يمكن وضع ترتيبات خاصة، لتنقل الأفراد وعملهم وإقاماتهم على ضفتي خط الحدود؟ ... هل يمكن البحث عن صيغة كونفدرالية/بينيلوكس بين الجانبين، بعيداً عن التزمت القومي وحروب العشائر والطوائف والأقوام؟
نقطة البدء في المشروع الاستقلالي الكردي، تبدأ من بغداد، أما الاستقواء بالخارج فرهان حبله قصير، بل وقصير للغاية، والإقليم حتى بفرض انتزاع استقلاله بالقوة، لن يستغني عن العراق، وسيظل دولة داخلية، خاصة بوجود جوار إقليمي غير صديق، تدخلي وطامع، فهل من مصلحة الأكراد استعداء العرب إلى هذا الحد؟ ... وإلى أي حد يمكن بناء سياسة واستراتيجية بعيدة المدى اعتماداً على خطاب “المظلومية” التاريخي؟ ... ألم يحن الأوان، للتأسيس لمرحلة من العقلانية في العلاقة بين الجانبين، تقوم على النفع المتبادل وحسن الجوار والتطلع المشترك لمستقبل محمّل بالفرص؟
أسئلة وتساؤلات برسم بغداد وأربيل على حد سواء

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استفتاء كردستان الشخصي والعام والتوقيت«المفخخ» استفتاء كردستان الشخصي والعام والتوقيت«المفخخ»



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء

GMT 22:53 2017 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المغربي ينجح في اختراق جرائم العصابات المنظمة

GMT 23:47 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلى علوي تستعيد ذكرياتها في الطفولة في "صالون أنوشكا"

GMT 06:26 2016 السبت ,24 كانون الأول / ديسمبر

عبود قردحجي يُؤكِّد أنّ 2017 ستكون مختلفة لمواليد "الجدي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib