حروب القبائل والفصائلمن لبنان إلى فلسطين

حروب القبائل والفصائل...من لبنان إلى فلسطين

المغرب اليوم -

حروب القبائل والفصائلمن لبنان إلى فلسطين

بقلم - عريب الرنتاوي

ضّيع اللبنانيون بانقساماتهم الطائفية والمذهبية، فرصاً تاريخية نادرة لبناء دولتهم السيدة، المستقلة، المدنية، الديمقراطية الجامعة، وبددوا بفعل إخفاقاتهم المتكررة إنجازات ومكتسبات كبرى، ليس أقلها أهمية: تحرير بلادهم من الاحتلال الإسرائيلي دون قيد أو شرط، تخليص بلادهم من الهيمنة السورية في انتفاضة شعبية عزّ نظيرها، هزيمة الإرهاب في الداخل وعلى الحدود، تبديد الوحدة الوطنية الجامعة كما تجلت بعض فصولها في انتفاضة 17 تشرين التي أخذت تتحول إلى شيء آخر تماماً.
 
كل فعل من هذه الأفعال الكبرى، تولته أساساً جماعة أو جماعات منهم نيابة عن الآخرين، فكانت النتيجة أن أدرج هذا المكسب/الانتصار في حساب "التوازنات المذهبية والطائفية" بين أمراء الطوائف والاقطاع السياسي وقادة المليشيات السابقة (اقرأ الكامنة)، ليتحول إلى مصدر خلاف وعنصر تقسيم وتفتيت، أودى بالاقتصاد والعملة الوطنية، ويضع لبنان على "حافة حرب أهلية جديدة"، فيما شبح التقسيم والفيدراليات يطل برأسه البشع من ثنايا الخطابات النارية المتبادلة.
 
كلفة الانقسام على لبنان واللبنانيين، كانت باهظة على الدوام...لا شيء على ما يبدو كفيل بتوحيد اللبنانيين وصهرهم جميعاً في مشروع وطني شامل...لبنان يسير بخطى ثابتة ومتسارعة نحو "الكارثة"، وأعداؤه متربصين به، ينتظرون لحظة سقوطه، فيما أبواب البلاد ما زالت مشرعة لاستقبال المزيد منهم في "حروب الوكالة" الساخنة منها والباردة.
 
الفلسطينيون ليسوا أفضل حالاً من أشقائهم اللبنانيين...قضيتهم، أرضهم، حقوقهم، قدسهم أقصاهم، قيامتهم، حريتهم، سيادتهم واستقلالهم في مهب الريح العاتية لصفقة القرن وقرارات الضم الإسرائيلية، فيما قبائلهم المتناحرة، المعروفة مجازاً باسم الفصائل والكتائب والسرايا ما زالت في قلب "داحس والغبراء"، تتصارع حول جنس الملائكة، فيما الدبابات الإسرائيلية تطوق غزة، والجرافات الإسرائيلية تقضم الضفة الغربية...لا شيء من هذه التحديات كفيل وكاف لإيقاظ الضمائر وتبصير العقول وشحذ الإرادة...إسرائيل ماضية في نجاحاتها وهم غارقون في فشلهم.
 
حتى جائحة العصر، وكل العصور ربما، وأعني بها فيروس كورونا الخبيث والخبيء، لم توفر سبباً كافياً لقادة لبنان للنزول عن شجرة انقساماتهم وولاءاتهم الخارجية المتناحرة...الشيء ذاته يحدث في فلسطين، حتى وهي تستقبل الموجة الثانية من الجائحة...كل طرف من طرفي الانقسام "يقلع شوكه بيده".
 
اللبنانيون والفلسطينيون ليسوا "الاستثناء" ولا هم وحدهم من خرج عن السرب العربي، فالحقيقة أن ليس هناك "سرب عربي" أولاً، فكل طير يحلق بالوجهة والسرعة اللتان يريدهما...وليس لبنان وفلسطين ثانيا، هما البلدان العربيان اللذان لا "قعر" ولا حدود لانقساماتهما المتناسلة...من يتابع الأزمات المفتوحة في العالم العربي، من ليبيا إلى اليمن، مروراً بالعراق وسوريا، يرى أن الغائب ليس مفهوم "الرابطة القومية" فحسب، بل و"الرابطة الوطنية" كذلك، فالأوطان التي رسم حدودها الخارجية سايكس وبيكو يعاد ترسيم حدودها الداخلية بين أقوامها وطوائفها، على أيدي أبنائها هذه المرة، وبما يخدم مصالح وأطماع قوى إقليمية ودولية متربصة تنتظر لحظة الانقضاض على "رجل المنطقة المريض".
 
لا "قعر" ولا "قرار" لحالة التفسخ والانقسام، لا فلسطينيا ولا لبنانياً أو عربياً...ومن كان يظن أن "الجوائح" و"التحديات الجسام" كفيلة بلمّ الشمل وجمع الكلمة، عليه أن يعيد قراءة المشهد العربي في حالته الراهنة...وفي ظني أن البحث في "أصل العلّة" وتقصي جذور الأسباب الكامنة وراء تفشي هذه الظاهرة وتفاقهم، سيجد نفسه مرغماً على مراجعة الكثير من المفاهيم/المسلمات التي نشأت عليها أجيال متعاقبة، بدءاً من "الرابط الإسلامية"، مروراً بـ"الرابطة القومية"، وليس انتهاء بـ"الرابطة الوطنية".

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حروب القبائل والفصائلمن لبنان إلى فلسطين حروب القبائل والفصائلمن لبنان إلى فلسطين



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 12:24 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن استعادة جثة رهينة من غزة في عملية خاصة
المغرب اليوم - نتنياهو يعلن استعادة جثة رهينة من غزة في عملية خاصة

GMT 15:04 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

شبيه عادل إمام يظهر في مسرحية منة شلبي "شمس وقمر"
المغرب اليوم - شبيه عادل إمام يظهر في مسرحية منة شلبي

GMT 21:42 2018 الإثنين ,16 تموز / يوليو

سفير المغرب بغينيا يحذر جمهور الوداد

GMT 07:31 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

هذا الشهر يحمل إليك أجواء مهنية وإجتماعية مميزة

GMT 22:51 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شركة ريفيان الأميركية مستعدة لإطلاق أول بيك أب كهربائية

GMT 18:02 2016 الثلاثاء ,26 تموز / يوليو

ماما سلمى .. هدية الأطفال
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib