أبشع الهزائم وأشدها خطراً

أبشع الهزائم وأشدها خطراً

المغرب اليوم -

أبشع الهزائم وأشدها خطراً

عريب الرنتاوي
عريب الرنتاوي

أن تخسر أمةٌ ما، معركة أو حرباً مع أعدائها، فهذا أمر اعتيادي، تكرر ويتكرر مرات ومرات على امتداد التاريخ، في منطقتنا العربية وخارجها...لكن الخسران يتحول إلى هزيمة نكراء حين تفقد الأمة ثقتها بقدرتها على النهوض ويصيب الوهن إرادتها لخوض منازلات جديدة، تستعيد فيها ما سبق لها أن فقدته، وثمة شواهد كبرى في التاريخ، على أمم نهضت من تحت ركام هزائمها، وأخرى استمرأت الهوان والخسران.


أبشع أنواع الهزيمة وأشدها خطورة على الإطلاق، حين تشرع الأمة المهزومة بتبني "رواية" أعدائها واعتماد "رؤيتهم" للحل و"نظرتهم" للمستقبل...هنا يتحول "المهزومون" إلى آلات عملاقة، وظيفتها إعادة انتاج الهزيمة وتأبيدها...هنا يبلغ "الاستلاب" بالأمة، حد فقدانها القدرة على النهوض من كبواتها...هنا تبدأ مرحلة الانقراض من التاريخ والجغرافيا والمستقبل.
 
في الحالة المحيطة بصراع الفلسطينيين والعرب مع إسرائيل، أمكن للأخيرة أن تلحق بشعب فلسطين نكبة 48، فتحتل قرابة 80 بالمئة من أرضه التاريخية، وتشرد نصف شعبه...وفي عام 1967، وقبل أن نستفيق من هول النكبة، وقعت "النكسة"، لكن لا في المرة الأولى ولا في المرة الثانية، خرجت علينا أصوات تردد الرواية الصهيونية وتتبنى رؤية إسرائيل للحل النهائي، بل أبعد ذلك يمكن الجزم، بأن إسرائيل منذ "النكسة"، لم تسجل انتصاراً حاسماً في مختلف معاركها مع الفلسطينيين والعرب، لا في الكرامة وحرب الاستنزاف من بعدها، ولا في حرب أكتوبر، ولا في سلسلة لا منتهية من حروبها على المقاومتين الفلسطينية واللبنانية.
 
ومع ذلك، وبعد أن انقضى زمن الحروب الخاطفة والانتصارات السريعة الحاسمة، الذي ميّز العقدين الأول والثاني، لنشأة إسرائيل، وبدأت مرحلة الحروب الطويلة، والمكلفة لإسرائيل، وتعدلت موازين "الردع المتبادل"، ودخلت الأسلحة "الكاسرة للتوازن" إلى مستودعات فصائل وأحزاب صغيرة، وليس لجيوش ودول كبيرة، بدأنا نشهد "نكبة" و"نكسة" متأصلتين في عقول وإرادات بعض العرب، حكاماً ومحكومين، نخباً وأوساط شعبية كذلك.
 
تبدأ القصة من إعادة النظر في السرديات المؤسسة لهذا الصراع، فيصبح لإسرائيل الحق في فلسطين التاريخية كما الفلسطينيين، وأحياناً أكثر من الفلسطينيين، ونبحث في الكتب القديمة، بل وفي الكتب السماوية عن عدد المرات التي ذكرت فيها القدس والأقصى وفلسطين، مقارنة مع أعدادها في العهد القديم، لنصل إلى نتيجة مفادها، أن لنا "أولاد عمّ" لهم حقوقاً في أرضنا ومقدساتنا أكثر منا، فلماذا نستمر في الصراع معهم، ولما لا نقبل بما يعرض علينا مما يفيض عن حاجتهم.
 
ثم، نخطو خطوة أخرى على طريق الانحدار، فنتبنى السردية الدعائية الصهيونية، في زمن تكاثر فيه "المؤرخون الجدد" من الإسرائيليين، الذين برهنوا بالملموس على كذب الرواية الصهيونية، وكشفوا بالوثائق، عن سياسات "التطهير العرقي" و"المجزرة كمفهوم مؤسس لدولة الاحتلال والعنصرية"، فيخرج عليك نفر من هؤلاء العرب المهزومين في عقولهم، بالحديث عن "الفرص" التي بددها الفلسطينيون والعرب، وعن العروض السخية التي رفضوها قبل أن يعودها للقبول بأقل منها، من دون أن يستذكروا أن الدول العربية الوازنة، دول الطوق، قبلت بالقرار 242 فور صدوره (سوريا بعد ذلك بسنوات)، وأن المنظمة منذ نصف قرن تقريباً قبلت بدولة على "22 بالمئة" من أرض فلسطين التاريخية، وأن التنازلات التي قدمها فلسطينيون وعرباً على "مذبح التسوية" على امتداد أزيد من أربعة عقود، لم تمكنهم من الحصول على الحد الأدنى من حقوقهم الوطنية والقومية المشروعة...من يهن يسهل الهوان عليه، ويصبح كالببغاء العجوز التي سقط ريشها ولم يبق منها سوى لسانها الذي تردد به ما تسمع، من دون تفكير أو تمحيص.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبشع الهزائم وأشدها خطراً أبشع الهزائم وأشدها خطراً



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 12:24 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن استعادة جثة رهينة من غزة في عملية خاصة
المغرب اليوم - نتنياهو يعلن استعادة جثة رهينة من غزة في عملية خاصة

GMT 15:04 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

شبيه عادل إمام يظهر في مسرحية منة شلبي "شمس وقمر"
المغرب اليوم - شبيه عادل إمام يظهر في مسرحية منة شلبي

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء

GMT 22:53 2017 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المغربي ينجح في اختراق جرائم العصابات المنظمة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib