زمن التسويات الكبرى

زمن التسويات الكبرى

المغرب اليوم -

زمن التسويات الكبرى

عريب الرنتاوي

معظم إن لم نقل جميع الأطراف المتورطة في صراعات المنطقة وحروبها ومحاورها، تحلّقت بالأمس حول مائدة واحدة، في تطور غير مسبوق، لا قبل هبوب رياح “الربيع العربي” ولا بعده ... المسألة لا تقتصر هنا على الأزمة السورية على “محوريتها”، بل تتخطاها إلى مختلف الأزمات التي تعصف بالإقليم، من العراق إلى لبنان، مروراً باليمن وليبيا ... الشعور المهيمن على الوفود المتقاطرة صوب فيينا، يتميز بالإعياء والإنهاك، وانعدام القدرة على “الحسم” وتحقيق انتصارات لا لبس فيها، فثمة من التوازنات والتكاليف والمخاوف، ما يدفع الأطراف إلى التفكير بحلول سياسية وسط.

في سوريا، أعاد التدخل العسكري الروسي “التوازن” إلى معادلات القوى ... فكرة “الحسم العسكري” سقطت مرة وإلى الأبد، فيما حروب الوكالة والاستنزاف، تبدو كخيار مدمر، لا ترغب القوى الكبرى إقليميا ودولياً في تجريبه ... فكرة إسقاط الأسد بالقوة، سقطت، تماماً مثل فكرة “بقائه للأبد” ... إذن، لا بُدّ من تجريب خيارات توافقية أخرى، تنقذ سوريا من خطر “التقسيم” وتجنب جوارها مفاعيل “مبدأ الدومينو”، يبدو أن الأطراف باتت تستمرئ خيار “تقاسم” سوريا بدل “تقسيمها، والمقصود بالتقاسم هنا بالطبع، تقاسم النفوذ والمصالح. طوال سنوات الأزمة الثلاث الأولى، ظلت سوريا وحدها تدفع الأثمان الباهظة للحرب فيها وعليها ... تطورات العامين الأخيرين شهدت تحوّلات بالغة الخطورة والتهديد لدول جوار سوريا، القريب منها والبعيد ... إيران المستنزفة في مستنقع الأزمة، وصلت إلى ما يشبه القناعة بعجزها عن “حفظ النظام” و”إبقاء الأسد على مقعده” ...

تركيا التي رأت في سوريا مدخلاً للهيمنة على المنطقة، بدأت تواجه خطر “السورنة” مع تنامي انقساماتها واستقطاباتها الداخلية، تفاقم “المسألة الكردية” وظهور “مسألة علوية”، دع عنك انقلاب “سحر داعش” على الساحر ...

السعودية التي تكاد تختنق بـ”اللقمة” اليمنية العصية على الهضم والابتلاع، باتت أكثر واقعية في إدراك مصاعب ابتلاع “الكعكة” السورية، ذهابها إلى فيينا بعد كل التصريحات والمواقف التصعيدية، يعكس قدراً من هذا الإدراك المتأخر ... العراق، كان الأكثر عرضة لأفدح تداعيات هذه الأزمة، عندما اجتازت “داعش” حدوده الغربية وغزت الموصل ... الأردن ولبنان، كانا الأكثر استهدفاً بزحف اللاجئين وطوفانهم الجارف ....

أوروبا بدورها بدأت بتلقي مفاعيل التهديد الإرهابي وطوفان اللاجئين ... لا أحد بات بمنأى عن شرارات الأزمة التي خرجت عن قواعد السيطرة والتحكم. عند هذه النقطة، وعندها فقط، بدأت الحاجة لتسويات وحلول وسط تجتاح مختلف الأطراف، وأخذ صناع القرار من أمراء المحاور والمذاهب والطوائف والعواصم، بالبحث عن سلالم لهبوط آمن من على قمة الشجرة التي صعدوا إليها، وعلقوا في قمتها. ومثلما أعادت “عاصفة السوخوي” في سوريا “التوازن” إلى معادلات القوة بين المعسكرين المتصارعين، فإن “عاصفة الحزم” قد أعادت “التوازن” ذاته، ولكن إلى معادلات القوة في اليمن، وبين المعسكرات ذاتها، المحتربة فيه وعليه ... وبعد ثمانية أشهر من الحرب المدمرة، وغير الضرورية، على هذا البلد الفقير والمُفقر، يبدو أن “الحل الوسط السياسي” هو المخرج الوحيد الممكن لمختلف الأطراف، حتى لا يصبح اليمنليبيا ثانية” في خاصرة السعودية ومجلس التعاون، فيتحول إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وملاذ آمن للقاعدة والإرهاب.

هنا أيضاً، يمكن تفهم المعلومات المتفائلة التي تتحدث عن قرب التئام مائدة المفاوضات في جنيف بين مختلف الأطراف، بل والتفاؤل بتوفر أفضل الفرص وأكثرها جدية، للوصول إلى حل لهذه الحرب المدمرة. فيينا ومن ثم، جنيف، باتتا الملاذين الآمنين لكل من اصطدمت أحلامهم ورهاناتهم بجدار صلب، لكل من أدرك أن زمن الحروب الخاطفة والسريعة قد ولى، وأن زمن الإقصاء والإلغاء قد انتهى، وأن زمن الهيمنة المتفردة والقطب الواحد وسياسات الاستتباع ونظرية “المركز والمحيط” قد أفل كذلك .... فلا السعودية إقليمياً قادرة على الاستمرار بدورها القيادي في المنطقة كما تفرّدت به بغياب مصر وانهيار كلٍ العراق وسوريا ... ولا إيران، قادرة على اختراق الحواجز الاقتصادية والعسكرية والمذهبية التي تحول دون قيامها بدور القيادة المهيمنة والمتفردة للإقليم... في حين خسرت تركيا الرهان على الأحصنة الثلاثة التي راهنت عليها لقيادة الإقليم: داعش سورياً، الإخوان إقليمياً و”القوة الناعمة” أو “قوة النموذج” قبل هذه وأولئك... أما روسيا فقد برهنت بتدخلها العسكري المباشر، غير المسبوق منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، أنها قوة عالمية، وليست قوة إقليمية كبرى فحسب، كما تفضل واشنطن أن تصفها وتصنفها.

إنه زمن التسويات الكبرى النابعة من العجز على التفرد والحسم والمغالبة ... إنها التسويات التي تلحظ مصالح الجميع وتؤسس على توازنات القوى بين الجميع .... إنها التسويات التي قد تسمح بتفوق هنا لفريق وتراجع هناك لفريق آخر، بيد أن حصيلتها النهائية، ستكون محكومة على الأرجح بقاعدة “رابح – رابح”، أو ربما “خاسر – خاسر” في الحالة العربية ... ألم تكن فيينا هي العاصمة المضيفة لأشهر اتفاق رابح – رابح في القرن الحالي بين إيران والمجتمع الدولي؟! 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زمن التسويات الكبرى زمن التسويات الكبرى



GMT 19:50 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

نكتة سمجة اسمها السيادة اللبنانية

GMT 19:48 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

اكتساح حلب قَلبَ الطَّاولة

GMT 19:46 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

جاءوا من حلب

GMT 19:44 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

هو ظل بيوت في غزة يا أبا زهري؟!

GMT 19:39 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

... عن الانتصار والهزيمة والخوف من الانقراض!

GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 19:33 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 19:30 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بعيداً عن الأوهام... لبنان أمام استحقاق البقاء

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib