واشنطن و«سياسة الاحتواء المـــزدوج» فــي ســوريـــا

واشنطن و«سياسة الاحتواء المـــزدوج» فــي ســوريـــا

المغرب اليوم -

واشنطن و«سياسة الاحتواء المـــزدوج» فــي ســوريـــا

عريب الرنتاوي

ظاهرياً، تبدو السياسة الأمريكية في سوريا، وامتداداً إلى العراق، في غاية الارتباك والتردد، وثمة من يتحدث عن غياب “رؤية أمريكية استراتيجية” للتعامل مع أزمتي البلدين، وهناك من يصل باستنتاجاته، حد القول بأن واشنطن لم تعد تتردد عن قول أو حتى فعل الشيء ونقيضه من دون فاصل زمني، إصدار المواقف ثم التراجع عنها، الانخراط في مسارات وتحالفات متناقضة، السير في الطريق وعكسه، في آن واحد. 
لا شك أن واشنطن كانت شريكاً فاعلاً، وراعياً نشطاً لمقررات مؤتمر فيينا حول سوريا، ولا شك أنها عملت (ضغطت) مع بعض حلفائها العرب والإقليميين للتساوق مع هذه المقررات، حتى لا نقول قبولها وتبنيها ... فهل كانت الولايات المتحدة، في غفلة من أمرها، عندما تركت للمملكة العربية السعودية، مهمة جمع المعارضة وتوحيد كلمتها؟ ... هل كانت تظن بان الرياض ستبدي حماسة ظاهرة لإدماج مقررات فيينا في البيان الختامي لمؤتمر المعارضات السورية؟ ... هل تفاجأت واشنطن بما وصفه جون كيري “نقطتين أساسيتين” موضع خلاف، في بيان الرياض؟.
واشنطن التي حضرت بقوة في مؤتمر فيينا، كانت حاضرة، وبقوة أيضاً في مؤتمر الرياض، هي تعرف الحدود والسقوف التي ستتحرك في إطارها الدبلوماسية السعودية، وهي تعرف من دون شك، تفاصيل كافية عن مواقف واتجاهات وتوجهات القوى والفصائل السورية، السياسية والعسكرية، التي اجتمعت في العاصمة السعودية ... ولا أحسب أن في الأمر إرباكاً أو ارتباكاً، في ظني أنه ما نشهده من مواقف وسياسات أمريكية، هو عين ما تريده واشنطن، وهو جوهر سياساتها واستراتيجيتها في سوريا وحيالها، كما سنرى في سياق هذه المقالة.
في فيينا، انتهى المجتمعون إلى تشكيل “مجموعة اتصال دولية”خاصة بسوريا، وهو مطلب لطالما ألح عليه، الموفد الأممي ستيفان ديمستورا، وحصل عليه أخيراً .... فلماذا تقدم الولايات المتحدة على إعادة بعث وإحياء جماعة “أصدقاء سوريا” التي ستلتئم اليوم في باريس ... لماذا تحرص واشنطن على الإبقاء على هذه “الطبقات المتراكبة” من التحالفات ودوائر التنسيق وأطر العمل الخاصة بالأزمة السورية، هل هو “الارتباك” كما يقال، أم أنها مقتضيات السياسة والاستراتيجية الأمريكية في سوريا وحيالها من جديد؟ 
أحسب أن السياسة الأمريكية في سوريا وامتداداً حتى العراق، تقوم على مبدأ “الاحتواء المزدوج”، احتواء داعش والإرهاب من جهة، واحتواء موسكو وطهران وحلفائهما من جهة ثانية، ونشدد على “الاحتواء” في كلتا الحالتين... وهذه السياسة بحكم طبيعتها وأهدافها، تملي على أصحابها اتّباع نهج “إدارة الأزمة والتحكم بها” بديلاً عن منهجية “حل الأزمة وإنهائها” .... أمر كهذا يتطلب اللعب بمختلف الأوراق، والسير على عدة حبال والرقص على حواف المحاور والمعسكرات القائمة في المنطقة. 
فلا بأس من وجهة النظر الأمريكية (على سبيل المثال)، أن تدخل روسيا على خط المجابهة العسكرية ضد داعش والإرهاب، هذه المهمة مطلوبة ومرغوبة، طالما أنها تعفي الولايات المتحدة من أعباء التورط المباشر وأكلافه، هنا تصبح مقررات فيينا متطلباً إلزامياً ومظلة لا بد منها لجمع روسيا والولايات المتحدة في سياق واحد: الحرب على داعش ... هنا وهنا فقط، تصبح “مجموعة الاتصال الدولية” الخاصة بسوريا، إطاراً مناسباً للتحرك الأمريكي، وساحة أوسع من ساحات تنسيق الحرب على الإرهاب. 
لكن في المقابل، لن تسمح واشنطن لروسيا، بأن تجعل من سوريا بوابة لإعادة تجديد دورها كقوة عالمية كبرى، وهي التي ظلت في عداد الدول الإقليمية الكبرى منذ انهيار الاتحاد السوفياتي ... هنا يتعين رسم سقوف وحدود للدور الروسي ... هنا تصبح مقررات الرياض مهمة لعزل روسيا ومحاصرتها وإبقائها تحت الضغط والتهديد ... هنا وهنا أساساً، تشتد الحاجة لبعث وإحياء “جماعة أصدقاء سوريا”، حيث بالإمكان بحث وتنسيق المواقف الكفيلة بإبقاء “الدب الروسي في القفص” حتى لا يتنقل طليقاً بين عواصم الإقليم وفي مياهه الدافئة.... وما ينطبق على روسيا، ينطبق بالدرجة ذاتها على إيران من وجهة النظر الأمريكية. 
وإذا ما صح هذا “التحليل” لسياسة “الاحتواء المزدوج” التي تتبعها واشنطن في سوريا وحيالها، فإن تفسير “ازدواجية المواقف والمعايير” الأمريكية حيال العديد من القضايا المحيطة بالأزمة والمتأسسة عليها، يصبح أمراً أكثر يسراً وقابلية للفهم والهضم، من نوع: دعم أنقرة في صراعها مع موسكو حتى عند إسقاط الطائرة في “الكمين المحكم” الذي أعد لها (استجابة لهدف احتواء موسكو) مقابل ممارسة ضغوط على حكومة أردوغان لضبط الحدود ووقف تسرب مقاتلي داعش ونفطه من تركيا وإليها (بهدف احتواء الإرهاب) ... ومن نوع داعم شعار “مؤتمر فيينا” الداعي لبناء “سوريا موحدة وديمقراطية وعلمانية وتعددية”، إرضاء للروس وإقصاء للجماعات الجهادية من جهة ... والصمت المتواطئ على مؤتمر الرياض، الذي شهد مشاركة “وازنة” لجماعات سلفية جهادية، معادية للتعدد والتنوع، دع عنك العلمانية والديمقراطية، وتربطها بجبهة النصرة، رفقة سلاح أواصر دم وخنادق مشتركة، ودائماً لاستنزاف روسيا وإيران، واحتواء أدوارهما. 
ليست واشنطن بلا استراتيجية في سوريا وحيالها... فلا يعقل للدولة الأعظم أن تظل بلا استراتيجية حيال أزمة امتدت لخمس سنوات، وحتى بفرض أنها افتقدت لمثل هذه الاستراتيجية، لبعض الوقت، كما اعتراف بذلك سيد البيت الأبيض نفسه، فليس من المنطقي الاعتقاد بان هذا الحال ما زال مستمراً بعد كل هذه السنوات... لواشنطن استراتيجيتها في سوريا وحيالها، لكن استراتيجية قائمة على “مبدأ الاحتواء المزدوج”، وهي بحكم طبيعتها،تستوجب”التباطؤ” في حل الأزمة، لإدامة النزيف المتبادل بين الأفرقاء/الخصوم، كما تحتمل “التواطؤ” مع جماعات لا يميزها عن داعش والنصرة سوى الاسم و”اللوغو”... استراتيجية لا تمانع في “الاستفادة” من إيران وروسيا في الحرب على الإرهاب، ولا تتردد في توظيف مختلف الفصائل المسلحة، حتى الجهادية منها، والتحالف مع رعاتهم وداعميهم العرب والأتراك، لاستنزاف طهران وموسكو من دون الاضطرار للدخول في مواجهة مباشرة معهما. 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واشنطن و«سياسة الاحتواء المـــزدوج» فــي ســوريـــا واشنطن و«سياسة الاحتواء المـــزدوج» فــي ســوريـــا



GMT 19:50 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

نكتة سمجة اسمها السيادة اللبنانية

GMT 19:48 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

اكتساح حلب قَلبَ الطَّاولة

GMT 19:46 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

جاءوا من حلب

GMT 19:44 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

هو ظل بيوت في غزة يا أبا زهري؟!

GMT 19:39 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

... عن الانتصار والهزيمة والخوف من الانقراض!

GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 19:33 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 19:30 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بعيداً عن الأوهام... لبنان أمام استحقاق البقاء

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib