المجموعة القصصية بعض من جنون لربيعة ريحان
آخر تحديث GMT 14:17:25
المغرب اليوم -

المجموعة القصصية "بعض من جنون" لربيعة ريحان

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - المجموعة القصصية

الرباط - وكالات

لا بد من التنصيص على بعض الملاحظات على عتبة هذا المبحث، الذي يسعى إلى تشريح المادة الحكائية في هذه المجموعة وطرائقها الجمالية والتخييلية. من ذلك موقعة اسم المبدعة ربيعة ريحان ضمن الكتابة القصصية النسوية في المغرب، التي ابتدأت حديثا (أواخر الستينيات من القرن السالف)، لتعرف فورتها وطفرتها مع التسعينيات من نفس القرن، حيث انفتاح القصة القصيرة على تيمات جديدة، منها الهامشي واليومي والجسد كهواجس ورغبات.. تيمات اجترحت أنفاسا سردية متنوعة. الملاحظة الثانية أن الكاتبة أصدرت لحد الآن سبعة مجاميع قصصية، عبر وتيرة منتظمة في النشر، واكبتها متابعات إعلامية ونقدية لافتة، مما يبرهن على اشتغالها الدؤوب على مادة حكي مقعرة (الذات الإنسانية) مثيرة للجدل، في تجديد محموم للطرائق والصوغ الحكائي؛ اعتمادا على الذاكرة والحلم والتداعي.. ويغلب ظني هنا، تقديم الروائي حنا مينة ل»ظلال وخلجان» كأول مجموعة تخطت عثرات البدايات، معلنة عن قدوم قاصة من المغرب العربي كله سيكون لها «شأن في القصة العربية» كما يقر حنا مينة. وغالبا ففراسة المتمرسين لا تخطيء، الشيء الذي جعل القاصة ربيعة ريحان في سعي دؤوب إلى تحقيق «أهليتها» السردية. وثالثا أن كل مجموعة تسعى الكاتبة من خلالها إلى بلورة سؤال جمالي ما، في الكتابة وإبراز مفاصل تيمة معينة،. مما جعل مجاميعها ناضحة بإضافات نوعية، تمثل محاورات للكتابة على ضوء الوضع الإنساني متشابك الأنساق ومتسارع التحولات إلى حد التعقيد. «بعض من جنون» المجموعة الخامسة (الصادرة عن دار الثقافة بالدار البيضاء سنة 2002) للقاصة ربيعة ريحان في مدونتها القصصية، تتكون من تسع قصص وهي: خبال، شرود، فتنة، كم هو بارق ذاك ال..، تلك الكلمات، بعض من جنون، قيلولة، أوراق الخريف، كوبنهاجن. عناوين مثيرة وعلى قدر كبير من الإبهام الأدبي، لأنها لا تصرح، بل تترك العتبات طاوية على مسكن الداخل. وبمجرد ولوج الإقامة القصصية، يبدو الأمر يتعلق بأحداث ممثلة أساسا لحضور المرأة في سياقات مختلفة، ضمن المجتمع والحياة. مادة الحكي تسوق المجموعة أحداثا، فكل حدث يبرز موقفا ومشهدا، تبعا لنوع الشخوص (طفلة، كاتبة، صحافية، امرأة...) بتعدد الفئات العمرية والانتماءات الاجتماعية . هذا فضلا عن الخصوصيات الاجتماعية والنفسية المفتوحة على التفاصيل المقولبة والمؤشكلة للذواتذ. بهذا، فالقصص حفر ونبش في الحمولات الاجتماعية والنفسية المؤطرة بالأمكنة والأزمنة الخاصة والحميمة. تقول المجموعة في نص «خبال» ص 13 : «وأنا على الرصيف، أسأل عن الاتجاهات، أفرد ذراعه الغليظة أمامي، في حركة ترحيبية سمجة.. ولأنني مشحونة ضده بكل الغل الطاغي، فقد أنقذه من لا تسامحي سائقه الخاص، وهو يفتح له باب السيارة.. وحين كنت أنحني لأصعد سيارة الأجرة، سمعت صوته الدبق عاليا، وهو ينهر سائقه المسكين» . فالأحداث مطروحة هنا للتأمل، لأن تجميعها سيقدم صورة عن علاقة الرجل بالمرأة في المغرب وعربيا، المطبوعة بالتوترات والثقوب نتيجة السلط والإرغامات المقولبة. لتعميق فكرة هذا الطرح، قد يتعلق الأمر بذات إنسانية، تكون الحكاية معها عبارة عن رحلة/ بوصلة تعتمد الحواس اللاقطة، والتي تتعدد بتعدد الحالات واللحظات؛ وتخلق لها قوالب وصيغا سردية، تعيد بناءها في إبراز لمفاصل ما، تغدو بارقة كبؤر توتر وارتباك. وهي بذلك لا تراكم الحالات بتوصيف بارد؛ بل السعي الحثيث إلى صياغة صورة تمثل الإيقاع الداخلي لأحلام صغيرة أمام صد الجدارات في المعيش والتفكير. تقول قصة «كم هو وامض ذاك ال..» ص 37 : «حين حاول خالها أن يعرف منها سبب وجودها في عتمة العزلة، وحين حاولت أن تنطق، ربتت يد ما على ظهرها، فامتلأ المكان ضجيجا وعمت الحركة.. تذكر بغرابة أن ذلك حدث معها كثيرا، ولا زال رعبه يتقد في ذاكرتها بإمعان..» . ففي كل قصة تتوالد الأحداث في تصعيد درامي إلى قمة مشهد محكوم بالمفارقة أساسا. وفي المقابل كأننا أمام أحلام أجساد في تصادم كبقايا الأنساق والآليات التي تصوغ العقليات وتقولب الرغبات والمشاعر. تقنيات سردية بكل تأكيد، فنصوص ربيعة ريحان المحتشدة، أوجدت لها إطارات خاصة في الصياغة والمتخيل السردي. من ذلك الانطلاق من التفاصيل والمعيش في حكي سلس، للإيغال في الحالة المقيمة في الظل المليء بالمفارقات وبالأخص الأنساق والتصورات. ويغلب ظني، أن الحالة ليست مطروحة للامساك بها، بل تحولها الكاتبة سرابا، اعتمادا على لغة كثيفة ترمز وتذهب بالموقف إلى مداه، لتفجير أسئلة إنسانية ووجودية حول المفارقة في المجتمع والحياة، انطلاقا من علاقة الرجل بالمرأة في اليومي، الشبيه بغابة تنتفي فيها القيم وتطفح نيران الشهوة النابحة، على حد تعبير الشاعر أحمد المجاطي. ففي تقديم الحالة على مشهديتها في مجموعة «بعض من جنون»، تبدو الحواس متقدة، فتكون عين الساردة مشتعلة الباطن وعلى قدر كبير من الاشتغال على البواطن والكوامن، في سعي إلى إبراز الخيوط الخفية لكل حالة، من توترات وذاكرة وأحلام، وتداعيات.. إنها حواس تحكي من خلال القبض على المثيرات الحسية بشكل بصري . من هنا، يغدو البعد البصري باسطا ظلاله على المتون النصية في هذه المجموعة. تقدم القاصة حكايتها في كل قصة بترتيب دقيق دلاليا وتخييلا، حتى لتبدو القصة شبيهة بمبحث نظري من حيث طرح المادة، لذلك فهي توفر لكل حدث تمهيدا، وسيرا متعللا بالسببية، وانتهاء إلى خلاصة، أي فضح مسكوت الحدث. والمتخيل هنا واضح في قولبة الأشياء وإعادة بسطها في إيهام بمطابقة المرجع. وقد يقتضي ذلك قراءة كل قصة من آخرها. في هذا الرصد، تولي القاصة أهمية بالغة للغة متعددة المستويات التعبيرية (تعليق، تكثيف، حوار، شاعرية..) ؛ بل حتى على مستوى التعبيرات القصيرة، كأن القصة تخطو بقياسات مضبوطة، مخلفة وقعها وأثرها على جلد الممشى، أعني طريق الحكي، وقد يكون طريقا من ماء بالمعنى العميق للكلمة. ورد في قصة «أوراق ص 73 : «تفعل ذلك وهي تبسم، فيما القطار الذي ينوء بحمله، يظل خبطه المترادف، يتناغم مع إيقاع دندنتها الخفيفة، وهو يمضي باتجاه البعيد..». يحق أن ننطلق من هذا المقطع الحكائي للكلام عن التوازي كتقنية سارية في تلافيف المجموعة، من خلال تقابلات بين الشخصية والمكان والزمان. على سبيل الختم القاصة ربيعة ريحان واحدة من أخريات معدودات ترفع التحدي في انتصار لسؤال الكتابة، وفي تحرر من النسوية بمعناها المبسط والمؤدلج. ويتجلى ذلك في توغلها التخييلي في الجسد الذي تندغم معه الفروق في الهواجس والتوترات والأحلام، كأنها تقدم حفريات الجسد المغربي والذي لا يمكن أن يكون إلا جسدا إنسانيا في هتك للطابوهات وتكسير للأساطير والأنساق التي تصوغ هذا الجسد المدفوع بالإكراهات والإرغامات. وهي بهذا الصنيع، تسعى إلى خلق بقعة ضوء في الغرفة السوداء، التي يكتب ضمنها الكاتب العربي على حد تعبير أدونيس في أحد حواراته الأخيرة. ولأن تكسير الرقابات النائمة في وجدان وعقلية الذات الإنسانية يقتضي جرعات من الحرية لاستيعاب هول التحولات التي تفتح الجسد وتطوره إنسانيا، بل تحوله إلى سلعة أو متاع أو حجم ومقاسات. على الأقل ربيعة ريحان توجد هنا في منطقة التماس بين اليومي وتعقيداته، والسرد ورغبته في القول المصيب ضمن متخيل يراهن على الاحتمال في القول والأفق. بهذا المعنى، فالسرد يعتبر بكيفية ما شكلا من أشكال الخطاب الثقافي المحايث للتحولات. وهو ينتج معرفة راصدة. وإذا حصل تكون الكتابة مؤلمة مادة وسردا. هنا في «بعض من جنون» يمكن الحديث عن الحكاية التي تخلق رعشة وأسى تدفعنا إلى التلذذ بما نقرأ. كأن الأدب نغمة فقد، كما يعرف عبد الله العروي الأدب. وفي المقابل، فهول التحول والجرافات التي تصنع الرأي وتقولب الإنسان، بإمكانها أن تولد المضاد الحيوي الممثل في السرد لتغيير الاتجاه وفتح آفاق أخرى للتأمل وإعادة النظر في الكثير من الحقائق التي تجر وراءها أساطير وأوهاما للتبرير والتربع.

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المجموعة القصصية بعض من جنون لربيعة ريحان المجموعة القصصية بعض من جنون لربيعة ريحان



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib