الرباط -المغرب اليوم
يعود شهر رمضان المبارك لسنة 1441 هـ، لكن ليس ككل السنوات، إذ خيّمت أجواء استثنائية على هذا الشهر الفضيل، فرضت تغييرا في العادات والتقاليد المألوفة لدى المواطنين، والتي تظل ملازمة لأيام الصيام، سواء في الليل أو النهار؛ عادات تمس الجانب الغذائي والاجتماعي، تلاشت، مُجبرة، بفعل التدابير الوقائية التي تم فرضها ضمن إجراءات احترازية لمجابهة تفشي فيروس "كورونا" .
مدن وقرى وجبال سوس لم تكن الاستثناء في خضم حزمة من تلك التدابير، ما أثر بشكل كبير على العادات الرمضانية لدى الساكنة، أبرز سماتها غياب تلك الأجواء التي تسم الشهر الفضيل، وإن كانت الأسر السوسية قد حرصت على الإعداد لهذه المناسبة، أبرز تجلياته الإقبال على اقتناء المواد المستعملة في إعداد بعض أساسيات المائدة الرمضانية، فإن الحجر الصحي وتقييد الحركة وتوقف الدراسة، كلها عوامل غيّبت البعد الاجتماعي لهذا الشهر، فلزم الناس المنازل متوجسين لما تأتي به الأيام المقبلة.
وفي خضم رصد بعض تمظهرات التغيير الذي طال العادات الرمضانية بسوس، وبالمغرب عموما، والذي فرضته ظروف وباء "كورونا" المستجد، قال خالد ألعيوض، أستاذ باحث في التراث وفاعل جمعوي، في تصريح لهسبريس، "إن سنة 2020 تُعد استثنائية، وستبقى خالدة في الأذهان بالنسبة إلى العالم بأسره، وليس فقط بالنسبة إلى المغرب، إذ لأول مرة تجتاح الظاهرة الوبائية العالم، ويتتبع الناس تفاصيلها بدقة، بحكم أننا نعيش عصر الرقمنة والتواصل ونعيش اللحظة، أي منذ أن ظهرت العدوى بالصين وانتقالها بشكل سريع إلى عدد من الدول".
واعتبر الأستاذ الباحث ذاته أن "الإنسان، وبفعل تداعيات جائحة "كورونا" وفرض الحجر الصحي وتقييد الحركة ومتابعته الواسعة لكل وسائل الإعلام ووسائط التواصل، اكتسب ثقافة مرتبطة بالطب وبعض سبل الوقاية الصحية، كالنظافة والتباعد الاجتماعي وتجنب الاكتظاظ وغير ذلك من البرامج". أما فيما يتعلق بالعادات الرمضانية، وبعد هذه التوطئة السريعة حول الوباء وآثاره على الإنسان؛ فأبرز خالد ألعيوض أن "هذه السنة ستبقى موشومة في الذاكرة، بحكم كون المساجد مغلقة، وصلاة التراويح متوقفة، والإفطار الجماعي وموائد الرحمان غائبة...".
عادات، إذن، ظلّت لصيقة بهذا الشهر الفضيل، إذ كانت الأسر في سوس، وفي مناطق المغرب قاطبة، تحرص على إعطاء تلك المكانة المقدّسة لرمضان، وتعمر المساجد. كما تنال الفئات الهشة أو تلك التي تعيش أوضاعا خاصة تضامنا لافتا من طرف جمعيات المجتمع المدني، عبر تنظيم إفطار جماعي تضامني. كما تعج المدن والأحياء بالحركة بعد صلاة التراويح، وتختار فئات واسعة السمر الليلي، إلى غير ذلك من الأمور التي تشهدها أيام الصيام، نهارها كما في ليلها، غير أن واقع الحال اليوم، أو هذه السنة، أجبر الجميع على التخلي، إجبارا، عن كل ذلك.
وقال خالد ألعيوض في هذا الصدد، إن ظروف انتشار جائحة "كورونا" المستجد، "دفعت المغاربة إلى إبداع أشكال أخرى من العادات، مع وفائهم لقيم التضامن، بل نلاحظ عودة قوية لهذه القيم، إذ أصبح الناس يُفكرون في الآخر، في الفقير، في الذي فقد عمله في هذه الظروف، وبالتالي سجلنا ارتفاع منسوب الحملات التضامنية بشكل كبير، وأنا عشت تجربة شخصية في قرية أولاد ميمون، كانت من أنجح الحملات التي عرفت تضامن الساكنة مع بعضها بكل أريحية وعفوية، ولهذا تعود قفة رمضان بشكل واسع لتخفيف المعاناة، ولو نسبيا، على بعض الأسر التي تعيش العوز والحاجة".
ومن أبرز ما يميز رمضان لسنة 1441هـ، هو تزامنه مع فترة الطوارئ الصحية وحظر التجول ليلا وتقييد الحركة نهارا إلا للضرورة القصوى، إلى جانب توقف الدراسة، ما ألزم فئات عريضة من المغاربة، من مختلف الأعمار، بالبقاء في البيوت.وفي هذا السياق، استرسل خالد ألعيوض أن ما سبق ذكره، دفع إلى "استثمار وسائل التواصل الاجتماعي، فنرى العائلات تجتمع في مجموعات على الواتساب للمذاكرة وتقاسم عدد من الأشياء افتراضيا، إذ حلّت العلاقات الافتراضية بدل العلاقات العادية وتبادل الزيارات العائلية وجها لوجه".
"الظرفية الاستثنائية لانتشار فيروس "كوفيد-19"، وتزامنها مع رمضان لهذه السنة، دفعت كثيرا من الناس إلى البحث عن الأسرة، عن الأفراد، عن الأصدقاء، أصبحنا نُنقّب في الأرشيف من أجل إيجاد عناوين الاتصال، بمعنى هناك متسع من الوقت ينبغي استثماره، أضف إلى ذلك عودة العناية بالقراءة والمطالعة والكتابة ومشاهدة الأفلام، لأن العزلة والحجر يجعلان الإنسان يفكّر في مثل هذه الأمور، في مقابل غياب الحرية المعتادة ودفء الزيارات العائلية والشارع والمقهى والجلسات العامة والندوات الفكرية والمحاضرات الرمضانية، أو حتى صخب بعض المظاهرات في الشارع العام"، يردف المتحدث نفسه.
"هي سنة استثنائية سنبقى نتذكرها، نؤرخ بها لمرحلة، كما "عام البون" سنة 1945، واليوم سنتحدّث عن "عام كورونا"، وسيحكيه الأجيال للحفدة من حيث كيفية تدبيره والإجراءات المفروضة في إبانه، وكيف استطعنا مقاومته ومجابهته، وكيف رجعنا إلى قيمنا، وكم خلف من الضحايا، وكيف استطاع المغرب بقيادة جلالة الملك أن يجعل المغاربة متوحّدين وهمهم الوحيد الانضباط، والتشبع بروح الوطنية، وعودة النظام الذي كان غائبا، وهو ما يجب أن يستمر بعد زوال الجائحة. كما نسجل تعافي الطبيعة وانخفاض معدل التلوث، زد على هذا أن عاداتنا تغيرت، لكن عادت قيمنا من جديد إلى الظهور واستعادت مكانتها".
وقد يهمك ايضا:
قناة "أواصر تيفي" تقدّم خريطة برامج رمضانية للمغاربة في الخارج
"المجالس العلمية" في المغرب تواكب رمضان والحَجر الصحّي رقميًا