رجل السلطة اليوم

رجل السلطة اليوم

المغرب اليوم -

رجل السلطة اليوم

توفيق بو عشرين

ما عادت للسلطة في المجتمعات الحديثة تلك الهيبة والجبروت والقوة التي كانت لها في العصور السابقة، وما عاد رجل السياسة يتحكم في مصائر البشر كما في السابق. رجال ونساء السلطة أصبحوا أشبه بمديري شركات يديرون جزءا من السلطة وجزءا من الثروة وجزءا من الإدارة وجزءا من اهتمام الناس لمدة محددة وفي رقعة صغيرة، ثم ينسحبون بعد سنوات قليلة مفسحين المجال لآخرين.
رجل السياسة لا يقول الحقيقة للجمهور لأن الحقيقة نسبية.. رجل السياسة ليس طبيبا يصف للشعب دواء شافيا بناء على كشف دقيق وتحاليل علمية. رجل السياسة لا يملك تشخيصا دقيقا للواقع، ولا تصورا واضحا عن المستقبل، لهذا كل ما يدعيه رجل السياسة اليوم في الأنظمة الديمقراطية هو الصدق مع الجمهور.. الباقي ادعاء.
يعلمنا تاريخ السلطة منذ المجتمعات التقليدية إلى اليوم أن رجل السياسة كان في بداية الاجتماع البشري سيد حرب، ثم تحول إلى كاهن، ثم أصبح ملكا، ثم هو الآن مجرد منتخب يسير الشأن العام بإرادة الناس الحرة، وظيفته إدارة جزء من السلطة وجزء من الثروة لفائدة المجتمع، ورعاية نظام قيم متوافق حوله، وفي قلبه المساواة والتعددية وحكم القانون وحقوق الإنسان، وحق كل مواطن في الأكل والشرب والشغل والسفر والتعليم والعيش في سلام.
هذا هو رجل السياسة اليوم، وظيفته إدارة المخاطر المحيطة بالمجتمع، والتقليل منها إلى الحدود الدنيا، وهنا يتنافس المتنافسون أمام صناديق الاقتراع التي لا تعطي أحدا شيكا على بياض.
ما عادت السياسة تقرر في مصائر البشر. انتهى عصر المبشرين وجاء عصر الإداريين، أكثر من هذا، دخل على خط إدارة السلطة شركاء آخرون، وفي مقدمتهم السوق وثقافته ونظمه، والشركات والمصالح الكبرى، والمجتمع الدولي، الاسم المستعار للقوى الكبرى التي تدير العالم من دوائر صغيرة وشبه مغلقة.. العالم يركب حصان العولمة، والقلة القليلة من تعرف إلى أين يسير بها هذا الحصان.
السياسة تخرج يوما بعد يوم من حيزها الوطني الضيق إلى الساحة الدولية الواسعة، والمنظمات الدولية الكبيرة والصغيرة تقرر اليوم في أمور كثيرة في حياة الأمم المتقدمة والمتخلفة على حد سواء، خذ مثلا الفيفا.. لا تتحدث هذه المنظمة الدولية، التي يعرفها الصغير والكبير، باسم دولة أو قارة أو أمة أو عرق أو ديانة.. الفيفا تتحدث باسم البشرية كلها، وتنظم اللعبة الأكثر شعبية في العالم دون تدخل من أية دولة. انظروا كيف تحول جوزيف بلاتر إلى بابا جديد يتدخل في كل شيء في السياسة والاقتصاد والرياضة والإعلام والإعلان.
ترسم المنظمات الدولية العابرة للحدود القوانين والمعايير والأنظمة والمسموح به وغير المسموح به، في الطب والعلم والتغذية والثقافة والعمل والسلاح والدبلوماسية. حتى الأدب والعلوم والإبداع والسينما صارت لها جوائز ومهرجانات ولجان تحكيم تقول هذا أدب وهذا ليس أدبا، هذه سينما وهذه ليست سينما، هذا اختراع علمي وهذا ليس اختراعا علميا.
هل بقي لرجال ونساء السلطة في الدول والمجتمعات من أوهام حول قوتهم وجبروتهم وخلودهم؟ للأسف نعم، والقادة العرب والأفارقة في مقدمة هذا الصنف الذي انقرض من العالم إلا من بلاد العرب. مازال الحاكم العربي يتصور أنه نبي مرسل، أو منقذ مخلص، أو هبة من السماء، أو صاحب رسالة خالدة. مازال الحاكم عندنا خارج قوانين السلطة الجديدة. مازال صنفا يقاوم التطور، لهذا عاش مبارك وصالح والقذافي وبشار وبنعلي… بعيدا عن عصرهم، وبعيدا عن شعوبهم، وبعيدا عن حقائق الواقع من حولهم، وعندما وجدوا أنفسهم أمام امتحانات السلطة القاسية توسلوا بأحد خيارين؛ إما إنكار الواقع وتأجيل التغيير وربح الوقت وإلهاء الشعب، أو اللجوء إلى الشبيحة والجمال والخيول والبراميل المتفجرة وسياسة الأرض المحروقة، وفي كلتا الحالتين هذا هروب وليس جوابا، هذا يأس وليس أملا، هذا مشكل وليس حلا…

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رجل السلطة اليوم رجل السلطة اليوم



GMT 19:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:29 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 19:25 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

GMT 19:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

خطيب العرابيين!

GMT 19:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

روشتة يكتبها طبيب

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أنجيلا ميركل؟!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:47 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تيك توك يتخلص من أكثر من 200 مليون فيديو مخالف خلال 3 أشهر

GMT 02:26 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

احتياطيات ورأسمال بنوك الإمارات تتجاوز 136 مليار دولار

GMT 03:01 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدفاع الجديدي يهزم حسنية أكادير

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ميناء طنجة المتوسط يحصل عل قرض من مؤسسة التمويل الدولية “IFC”

GMT 22:42 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب الطرق تواصل حصد أرواح المغاربة

GMT 21:19 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib