النباهة والاستحمار في وصية بوليف

النباهة والاستحمار في وصية بوليف

المغرب اليوم -

النباهة والاستحمار في وصية بوليف

بقلم : توفيق بو عشرين

لم يبتعد نجيب بوليف كثيرا عن الحقيقة عندما نصح الصحافة المغربية بالابتعاد عن موضوعات الساعة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والاهتمام بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج، فليس في اللحظة السياسية الراهنة ما يغري بالمتابعة، ومن الأفضل أن ننشغل بالدِّين عن الدنيا، وبالسماء عن الأرض، وبالتاريخ عن الحاضر… بوليف وزير في حكومة العثماني، وأحاديثه كثيرا ما جلبت إليه وجع الرأس، لأنه لا يفرق بين جو الجلسات التربوية في الحركات الدعوية وبين النقاش العمومي الذي يهم الشعب، لكنه هذه المرة كان موفقا إلى حد بعيد في ما يسميه علي شريعتي، السوسيولوجي الإيراني الراحل، باستعمال الدين لاستحمار الشعوب، وتعطيل حركة النقد في العقل المسلم، يقول شريعتي: «عندما يشب حريق في البيت، ويدعوك حدهم إلى الصلاة والتضرع إلى الله، ينبغي عليك أن تعرف أنها دعوة إلى تزييف الوعي، لأن الاهتمام بغير إطفاء الحريق والانصراف عنه إلى عمل آخر هو الاستحمار بعينه، وإن كان عملا مقدسا».

ومع ذلك أنا كصحافي سآخذ بنصيحة الوزير الطنجاوي، الذي يجد لنفسه دائما وزارة صغيرة أو كبيرة يجلس فيها للتفرغ لأحاديث الثلاثاء التي يكتبها في جدار الفايسبوك، وسأفتح كتاب الله عز وجل وأقرأ: «سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آيَاتِنَا إنه هو السميع البصير» (سورة الإسراء).

أول دلالة لهذا الحدث الكبير في الدين الإسلامي هو ربط المسجد الحرام بالمسجد الأقصى، وهذا الأخير، كما تعلم يا سيادة الوزير في حكومة المغرب، مسجد محتل في أرض محتلة من قبل إسرائيل، ويتعرض، ومعالم أخرى مسيحية ومسلمة، لخطة عنصرية من أجل «تهويدها» وتغيير معالمها، ومس روح تعايش الأديان الثلاثة على تلك الأرض من قبل اليمين الإسرائيلي العنصري، ونحن لا نطلب منك ولا من حكومتك أن تجهز جيشا لتحرير بيت المقدس، ولا نطالبكم بأن تحملوا السلاح، وأن تقنعوا ناخبيكم الكثيرين في طنجة بتشكيل حركة تحرير لإنقاذ بيت المقدس، لكننا نطلب منك، في هذه المناسبة الجليلة التي دعوتنا إلى التفكر فيها، وعدم الانشغال عنها بمحاولة انتحار «الأم عيشة»، التي لم تجد من سبيل لإيصال صوتها غير تهديد حياتها.. ندعوك، وأنت وزير في حكومة لها أغلبية ولو كانت غير مريحة في البرلمان، إلى إحياء مقترح قانون لمنع التطبيع مع إسرائيل، وتجريم المعاملات التجارية والفلاحية مع دولة الاحتلال، كما فعلت العديد من المؤسسات الأوروبية التي تقاطع المنتجات الإسرائيلية الآتية من المستوطنات العنصرية في إسرائيل. فهل تستطيع، يا سيد بوليف، أن تقنع الفقيه العثماني بإدراج هذه النقطة في جدول أعمال المجلس الحكومي يوم الخميس المقبل، وأن تقنع وزير الخارجية والتعاون، ناصر بوريطة، بتبني الحكومة هذا القانون المجمد في البرلمان منذ سنوات، كتعبير عن تفكر حكومي جماعي في سورة الإسراء وحدث المعراج، وفي تمثل جماعي لدلالات الحدث؟ وإذا لم يقتنع بوريطة وأخنوش وحصاد وبوسعيد… وقالوا لك إن اللوبي الإسرائيلي القوي في العالم سيغضب منا، وسيكف عن مساعدة دبلوماسيتنا في أمريكا وغير أمريكا، فاطلب من محمد يتيم، منظر حزب العدالة والتنمية، أن يذكرهم بموازين القوى الربانية، وليس فقط الأرضية، ويشرح لهم معنى قوله تعالى: «ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم» الآية.

سيقول لك بنعتيق وبنعبد القادر في المجلس الحكومي: هذا مقترح «إخواني»، وهو جزء من برنامج حركة التوحيد والإصلاح، وليس برنامج التحالف الحكومي، كما توافقنا عليه في كواليس تشكيل الحكومة، فلا تلتفت إليهما، وأشهر في وجهيهما الحجج الدينية التي تحض على إحياء ذكرى الإسراء والمعراج حكوميا وشعبيا، واطلب الفتوى من الفقيه سعد الدين، فهذه واحدة من حسنات أن يكون في البلد رئيس حكومة من درجة فقيه أصولي، درس متون التفسير والحديث والفقه على كراسي كلية الطب.

هل رأيت، يا سيد بوليف، أننا على وشك الدخول في أزمة حكومية إن نحن نقلنا الكرة من ملعب الصحافة الواسع إلى ملعب الحكومة الضيق، لهذا، ارحمنا من أحاديثك، على الأقل إلى أن تنهي مهمتك في كتابة النقل.. نقل الله الحكمة والرصانة إلى عقلك قبل قلمك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النباهة والاستحمار في وصية بوليف النباهة والاستحمار في وصية بوليف



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 08:47 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تيك توك يتخلص من أكثر من 200 مليون فيديو مخالف خلال 3 أشهر

GMT 02:26 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

احتياطيات ورأسمال بنوك الإمارات تتجاوز 136 مليار دولار

GMT 03:01 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدفاع الجديدي يهزم حسنية أكادير

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ميناء طنجة المتوسط يحصل عل قرض من مؤسسة التمويل الدولية “IFC”

GMT 22:42 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب الطرق تواصل حصد أرواح المغاربة

GMT 21:19 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر

GMT 18:13 2023 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

بلينكن يُعلن دعمه المستمر لكييف في الحرب الروسية الأوكرانية

GMT 05:00 2024 الأربعاء ,13 آذار/ مارس

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 13 مارس/ آذار 2024
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib