هزيمة كركوك لم تطو المشروع الكردي

هزيمة كركوك لم تطو المشروع الكردي

المغرب اليوم -

هزيمة كركوك لم تطو المشروع الكردي

بقلم ـ خيرالله خيرالله

لا الاستفتاء الكردي “صار من الماضي”، كما يقول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ولا خسارة الأكراد لكركوك مجرّد “انتكاسة” كما يقول مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان في العراق. ما حصل في كركوك هزيمة بكلّ معنى الكلمة لا أكثر ولا أقلّ.

لا تمنع الهزيمة التي لحقت بقوات البيشمركة في كركوك من القول أن الاستفتاء الكردي ليس من الماضي، لأنّ المشروع الكردي ما زال حيّا يرزق في ظلّ ظروف لا يمكن أن تجعل من انبعاثه مسألة وقت ليس إلا.

ما يهزم المشروع الكردي المنادي بالاستقلال هو قيام عراق ديمقراطي في ظل دولة مدنية يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن الدين والمذهب والقومية.

لا يمكن لمشروع يقوم على إنشاء دولة دينية يكون “الحشد الشعبي” عمودها الفقري جعل المشروع الكردي موضوعا منسيا، أو طيّ صفحته نهائيا.

ما يشجع على القول أن المشروع الاستقلالي الكردي ما زال حيّا يرزق، أكثر من أيّ وقت، أن ليس لدى حكومة بغداد، في ظلّ تركيبتها الحالية والذهنية التي تتحكّم بها، ما تقدّمه للأكراد، لا اليوم ولا غدا.

كان الاتفاق في مرحلة ما قبل سقوط نظام صدّام حسين على قيام “دولة فيديرالية” في العراق “ذي الأكثرية الشيعية”. حصل الأكراد في المؤتمر الذي عقدته المعارضة العراقية في لندن في كانون الأوّل – ديسمبر 2002 على “الفيديرالية” في مقابل الاعتراف بوجود “أكثرية شيعية” في العراق.

كان المؤتمر برعاية أميركية – إيرانية في الوقت ذاته. كانت إيران من تكفّل بحضور قسم من المعارضة العراقية الشيعية المؤتمر عبر الإتيان بعبدالعزيز الحكيم إلى لندن. كان في الطائرة ذاتها التي جاءت من طهران إلى العاصمة البريطانية عبدالعزيز الحكيم وأحمد الجلبي وعدد لا بأس به من زعماء الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران، إضافة إلى الزعيمين الكرديين مسعود البارزاني وجلال الطالباني، الذي توفّى قبل أسابيع قليلة نتيجة إصابته بجلطة.

تبيّن بعد إسقاط نظام صدّام حسين أن الحقيقة الوحيدة الباقية هي الدولة الدينية في العراق. وهذا ما شكا منه مسعود البارزاني في الأيّام التي سبقت إعلانه عن التمسّك بالاستفتاء الكردي وبموعده في الخامس والعشرين من أيلول – سبتمبر الماضي.

لم يعد لدى البارزاني أيّ خيار آخر غير الاستفتاء، لا لشيء سوى لأنّ الحكومة العراقية تصرّفت في السنوات القليلة الماضية بصفة كونها حكومة تمثّل شيعة العراق فقط. لم يستطع حيدر العبادي، الذي بقي أسير انتمائه إلى “حزب الدعوة” إيجاد فارق كبير بينه وبين سلفه نوري المالكي الذي تحوّل إلى مجرّد وكيل لإيران في العراق بعد إعادته إلى موقع رئيس الوزراء في العام 2010. أجريت وقتذاك انتخابات تشريعية تقدّمت فيها لائحة إياد علاوي على منافسيه.

    الأكيد أن صفحة المشروع الكردي لم تطو بعد. ستكون هناك جولات أخرى كثيرة، ذات طابع سياسي وعسكري، ما دام العراق يتوجه إلى أن يكون دولة دينية أو دولة مذهبية على غرار ما هي إيران عليه الآن

لكن تفاهما بين إيران والإدارة الأميركية مكّن المالكي من تشكيل حكومة جديدة صار بعدها تحت إيران كليا. حصل ذلك في ظل استعجال الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على الانسحاب عسكريا من العراق، بغض النظر عن النتائج التي يمكن أن تترتب على مثل هذه الخطوة، بما فيه تسليم البلد نهائيا إلى إيران.

إذا أخذنا في الاعتبار تسلسل الأحداث والظلم الذي لحق بالأكراد، لا يمكن إلا تبرير إصرار البارزاني على الاستفتاء وعلى موعده. لكنّ ذلك لا يمنع الاعتراف بأن الرجل أدخل نفسه في حسابات خاطئة، خصوصا عندما رفض أن يأخذ في الاعتبار ردود الفعل الإقليمية والدولية على الاستفتاء.

صحيح أن البارزاني حرص في خطاب له عشيّة الاستفتاء على تأكيد أن رسم حدود دولة كردستان في العراق سيكون “موضع تفاوض”، لكن الصحيح أيضا أن هذا الكلام جاء متأخرا ويشير إلى تجاهل كردي لأهمية مدينة مثل كركوك وتعقيدات ضمها إلى كردستان.

لم يكن مسموحا لسياسي في مستوى مسعود البارزاني تجاهل هذا الواقع، وما سيترتب على جعل الاستفتاء يشمل كركوك التي تعوم على بحيرة نفط، فضلا عن أن لديها تركيبة سكانية خاصة بها.

في موازاة ذلك، استخفّ رئيس إقليم كردستان بردّ الفعل الإيـراني والتـركي، كما لم يأخذ في الاعتبار أن الإدارة الأميركية ليست في وارد الذهاب بعيدا في دعم الاستفتاء على الرغم من موقف إسرائيل المؤيّد له.

في نهاية المطاف، استطاعت إيران، التي تفاهمت إلى حدّ كبير مع تركيا، توجيه ضربة قوية للأكراد ولمشروعهم الاستقلالي في كركوك. لم تكن خسارة الأكراد لكركوك بهذه السهولة متوقعة بأيّ شكل. كذلك لم يكن متوقّعا اتخاذ الإدارة الأميركية موقفا محايدا من الصراع القائم بين الأكراد والحكومة المركزية في بغداد. لا شك أن الموقف الأميركي ساهم، كثيرا، في إضعاف السياسة التي اعتمدها مسعود البارزاني.

إضافة إلى ذلك كله، لا بد من لوم رئيس إقليم كردستان على عدم إيلائه الاهتمام الكافي للانقسام القائم بين الأكراد. لا يزال هذا الانقسام قائما، وهو انقسام عميق لا يلغيه شبه الإجماع الكردي على الرغبة في قيام دولة مستقلة. لم يعن غياب جلال الطالباني أنّ الخط الذي يمثله انتهى. لا يزال هناك تمايز، بل انقسام، بين أربيل والسليمانية.

لم يستطع مسعود البارزاني تحويل نفسه إلى الزعيم الأوحد للأكراد مع مرض الطالباني ثمّ وفاته، خصوصا أن هناك من لا يزال يمتلك حسابات قديمة يريد تصفيتها معه مثل السيدة هيرو أرملة الطالباني. كذلك، هناك سياسيون أكراد يمتلكون رصيدا شعبيا وصدقية لديهم وجهة نظر مختلفة، كان مفترضا في البارزاني عدم تجاهلها. من بين هؤلاء برهم صالح الذي سبق وأن شغل مناصب رفيعة المستوى في الحكومة المركزية وفي حكومة إقليم كردستان التي كان رئيسها.

في ضوء التعقيدات الإقليمية والدولية، ليس مفيدا الخروج باستنتاجات نهائية باستثناء أن إيران لعبت الدور الأساسي في هزيمة الأكراد في كركوك. ظهر جليا أن لديها أوراقها التي عرفت كيف تلعبها. بعض هذه الأوراق مرتبط بـ“الحشد الشعبي”، أي بمجموعة الميليشيات المذهبية الموالية لها والتي باتت العمود الفقري للنظام الجديد في العراق. إنه العراق الذي لا يزال يقاوم وضع اليد الكاملة لإيران عليه. وبعض آخر من هذه الأوراق مرتبط بالوضع الكردي نفسه والخلافات القديمة بين أربيل والسليمانية، وهي خلافات ذات طابع عشائري وسياسي في الوقت ذاته.

أكدت إيران مرّة أخرى أنها لاعب أساسي، بل اللاعب الأساسي في العراق. لكن الأكيد أيضا أن صفحة المشروع الكردي لم تطو بعد.

ستكون هناك جولات أخرى كثيرة، ذات طابع سياسي وعسكري، ما دام العراق يتوجه إلى أن يكون دولة دينية أو دولة مذهبية على غرار ما هي إيران عليه الآن. لا شيء يطوي المشروع الكردي غير عراق ديمقراطي فيه دولة مدنية.

قيام عراق من هذا النوع من رابع المستحيلات لا أكثر ولا أقلّ. ما زرعه مسعود البارزاني قد يثمر يوما، لكنّ من المفترض برجل من هذا النوع امتلاك حدّ أدنى من الشجاعة والاعتراف بخطأ كبير في الحسابات أدى إلى هزيمة وليس إلى مجرّد انتكاسة في كركوك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هزيمة كركوك لم تطو المشروع الكردي هزيمة كركوك لم تطو المشروع الكردي



GMT 11:33 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 12:51 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو وتغيير وجه المنطقة... في ظل بلبلة إيرانيّة!

GMT 09:19 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

GMT 21:09 2024 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان اليوم التالي.. تصوّر إيران لدور الحزب

GMT 21:41 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

العودة التي لا مفرّ منها إلى غزّة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 03:28 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

يستقبل الرجاء الكوديم والوداد يواجه الفتح

GMT 03:05 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

تواركة يعمق جراح شباب المحمدية

GMT 08:39 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة البتكوين تتخطى 80 ألف دولار للمرة الأولى في تاريخها

GMT 02:38 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تسعى لشراء قمح في ممارسة دولية

GMT 19:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 00:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

دبي تعلن عن أكبر صفقة عقارية هذا العام بأكثر من 137 مليون دولار

GMT 15:58 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب الفاسي يسدد ديون الضمان الاجتماعي

GMT 06:55 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

طريقة عمل بروتين لشعرك من "المواد الطبيعة"

GMT 01:31 2023 الثلاثاء ,17 كانون الثاني / يناير

آرون رامسديل يتعرض للانتقادات في آرسنال

GMT 20:41 2020 الأحد ,26 تموز / يوليو

غرف نوم باللون التركواز

GMT 03:47 2019 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

ثعلب وسنجاب بطلا أفضل صورة للحياة البرية لعام 2019

GMT 11:48 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

شخصيات في حياة أحمد زكي والعندليب

GMT 00:01 2013 الأحد ,09 حزيران / يونيو

فقمة القيثارة مخلوق غريب لايتوقف عن الأبتسام

GMT 12:14 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السعادة المؤجلة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib