على هامش طعن سلمان رشدي

على هامش طعن سلمان رشدي...

المغرب اليوم -

على هامش طعن سلمان رشدي

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

ليس مهمّاً كثيراً ما إذا كان طعن الروائيّ سلمان رشدي تفعيلاً لفتوى آية الله الخمينيّ القديمة أم لم يكن. صحيفة «كيهان» الإيرانيّة هنّأت هادي مطر بفعلته الشنيعة، فأسبغت على عمله شرعيّة خمينيّة مصدرها في الفتوى إيّاها. حتّى «الدبلوماسيّ» الإيرانيّ محمّد مرندي، الذي هو مستشار فريق التفاوض النوويّ، غرّد بمعنى مشابه. أصوات كثيرة، إيرانيّة وعربيّة، عبّرت هي الأخرى عن فرحتها بعمليّة الطعن، وعن استعداد أصحابها، في ما لو امتنع مطر، لتنفيذ ما نفّذه. إحدى الأفكار الخرقاء التي تكرّرت في إعلانات الفرح والاصطهاج اعتبار عمليّة الطعن ثأراً لقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، وهذا معناه إسباغ مضمون سياسيّ و«استراتيجيّ» على الطعن يضاعف تبريراته عند الباحثين عن تبرير. إنّه يرفع الطعن إلى سويّة الواجب والتكليف، بفتوى سابقة أو من دونها.

شيء آخر يفقد الكثير من أهميّته هو فكرة الاختباء. نتذكّر ما تردّد من أنّ صدور الفتوى في 1989، وما أعقبها من أعمال حرق لكتاب «آيات شيطانيّة» في مدن بريطانيّة، افتتحا ما سُمّي يومها «عولمة الإرهاب». بعد ذاك جاءت جريمة 11 سبتمبر (أيلول) 2001 لتشحذ تلك النظريّة وتمنحها أنياباً قويّة. ونعرف كم من المنشقّين الروس اصطيدوا في عواصم أوروبيّة. سلمان رشدي نفسه طويلاً ما اختبأ حمايةً لحياته من عمل مسعور.
بلغة أخرى، هناك اليوم جماعات، لم تعد ضيّقة أو معزولة، موجودةٌ في كلّ مكان من العالم تقريباً، وهي جماعات عقائديّة ومتزمّتة في تعصّبها لما تؤمن به، ومستعدّة لاستخدام أقصى العنف دفاعاً عنه. والجماعات هذه قد تكون مَرعيّة من دولها، لكنّها قد لا تكون، ولا يكون دافعها سوى النزق الآيديولوجيّ، علماً بأنّ حالة مطر هي، في أغلب الظنّ، نتاج الحافزين معاً.
يبقى أنّ أسوأ ما تفعله هذه الجماعات، فضلاً على أعمال القتل والطعن، هو الإساءة إلى كتل المهاجرين واللاجئين الذين كانت العولمة نفسها أحد الأجنحة التي أقلّتهم إلى حيث هم الآن.
فما أقدم عليه المدعوّ هادي مطر، والأفعال المشابهة لفعلته، كثيراً ما تقوّي النبرة العنصريّة الكارهة للغريب، لا سيّما المسلم، لاجئاً كان أم مهاجراً. والعنصريّون متوافرون بكثرة ولديهم استعدادات للكراهية لا تنضب، سيّما في ظلّ الأزمات الاقتصاديّة الضاربة.
هذا العامل إنّما يرقى إلى مسألة ملحّة تستدعي التفكير بعلاجات لا يستطيع أن يوفّرها طرف واحد، وهي تظلّ علاجات ناقصة إن لم يتعاون عليها طرفان من ضمن جهد واستراتيجيّة مُنسّقين: فإذا كان على الحكومات الديمقراطيّة أن تتشدّد في مكافحة الدعوات المتعصّبة والعنفيّة، أكانت صادرة عن عنصريّي بلدانها أم عن متزمّتي الهجرة واللجوء، خصوصاً أنّ الاختباء لم يعد حلاً لأحد، فهناك أدوار أخرى ينبغي أن تؤدّيها بيئة الهجرة واللجوء، أوّلها التصدّي لأنماط في السلوك والوعي لا تنسجم مع العيش في مجتمعات تعدّديّة حديثة ومع تسهيل الاندراج فيها.
المهمّتان لا يزال أداؤهما أقلّ من المطلوب، وتقصير كلّ منهما يعزّز تقصير الأخرى.
قبل أيّام على عمليّة الطعن، وكمثل غير حصريّ، شهدت مدن كلندن، ومونتريال في كندا، وديربورن في الولايات المتّحدة، احتفالات بمناسبة عاشوراء لم يهتمّ القيّمون عليها بمخاطبة سكّان تلك المدن. لم يفكّروا بهم وبأمزجتهم وبحساسيّاتهم وبثقافتهم، اللهمّ إلاّ إذا كانوا يفترضون أنّ سكّان تلك المدن ينامون ويصحون على لعن يزيد بن معاوية!
وهذا من نتائج فهم رخو ونرجسيّ للتعدّديّة هو في الوقت نفسه كارثيّ النتائج على أصحابه أنفسهم: فإذا كان كلّ ما لدينا أصيلاً وعظيماً لا ينبغي تعريضه للمساءلة لأنّ ذلك إخلال «عنصريّ» بالتعدّد، وإذا كان كلّ ما حولنا، من علاقات ومؤسّسات غربيّة، شيطانيّاً أو إمبرياليّاً أو عنصريّاً، توفّرت كلّ الأسباب لكي نعيش في الغيتو الذي يفصلنا عن عالم الشرور المحيطة. فلماذا مثلاً نرسل أبناءنا إلى مدارسهم الكريهة بدل أن يتمّ تلقينهم «العلم» في مَعازلنا المتخمة بالأصالة وباليقين؟
وقد يقال، وكثيراً ما يقال، إنّ «ثقافة الاستهلاك المشتركة» تتولّى تذليل العقبات وإزالة الحدود. لكنّ وراءنا اليوم أطنان الأدلّة على أنّ الجينز والتي شيرت وموسيقى البوب تستطيع أن تتجانس على أفضل ما يكون مع ثقافة موروثة عصيّة على التغيّر، يندرج فيها ضرب الزوج للزوجة وتعنيف الطفل وقتل المختلف.
إنّ النتيجة الفعليّة لمنطق كهذا الذي يدعو إلى الانكفاء على نفوسنا، والانكفاء عن المحيط «المدنّس»، هي أن يعجز أبناؤنا عن اكتساب اللغات والمهارات التي توفّرها مدارس «الكفّار»، وأن يعجزوا تالياً عن الحصول على فرص العمل التي يستحقّونها في مجتمعات الهجرة واللجوء.
هكذا يخسرون، وبخسارتهم نخسر الكثير، لكنّنا نكسب طهارة العقيدة التي تقول لنا إنّ لا شائبة تشوبنا نحن فيما هم عنصريّون يمارسون علينا الاضطهاد والاستعلاء. نكسب أيضاً، عملاً بهذا السلوك، شبّاناً من طينة هادي مطر نباهي بهم الأمم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على هامش طعن سلمان رشدي على هامش طعن سلمان رشدي



GMT 20:14 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

جوال قتّال

GMT 20:12 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدهناء وبواعث الشجن

GMT 20:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

محاولات لفتح ملفات لوكربي المغلقة

GMT 20:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الطرح المخاتل لمشكلة الهجرة غير النظاميّة

GMT 20:06 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

المعرفة القاتلة والحرب المحتملة

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 19:26 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الفنان عمرو دياب يتألّق عند سفح أهرامات الجيزة
المغرب اليوم - الفنان عمرو دياب يتألّق عند سفح أهرامات الجيزة

GMT 10:36 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

أسرع طريقة للتخلص من كل مشاكل شعرك بمكوّن واحد

GMT 17:44 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

المدرب دييغو سيميوني يحصد جائزة "غلوب سوكر ماستر كوتش"

GMT 03:05 2017 الثلاثاء ,04 تموز / يوليو

"سوق كوم" تندمج في "أمازون"

GMT 16:13 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

الإعلان عن موعد قرعة دور الـ16 في دوري أبطال أوروبا

GMT 11:48 2016 السبت ,22 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شخصين وإصابة آخرين إثر حادث سير مروّع في الجديدة

GMT 21:38 2016 الإثنين ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة أقدم باندا عملاقة في العالم عن عمر 38 عامًا

GMT 13:04 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ليلى الطوسي تقدم الزي المغربي التقليدي بشكل عصري أنيق

GMT 12:58 2023 الأحد ,28 أيار / مايو

منتجع في المالديف يمتد عبر جزر مختلفة

GMT 10:21 2022 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

هزة ارضية قوية تضرب الناظور و نواحيها

GMT 17:17 2022 الأربعاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلاقُ نظام فضائي لاتصالات الجيلِ الخامسِ الجوالةُ
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib