هنري كيسنجر حياة مثيرة للجدل

هنري كيسنجر... حياة مثيرة للجدل!

المغرب اليوم -

هنري كيسنجر حياة مثيرة للجدل

حسين شبكشي
بقلم - حسين شبكشي

توفي وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر بعد 100 عام عاشها بين الجدل والغموض والإثارة، حياة تركت أسئلة كثيرة بلا إجابات وكثيراً من الغضب لدى مجموعة غير بسيطة من الناس تعتقد أن الرجل رحل عن دنيانا ويداه ملطختان بدماء الآلاف من الأبرياء حول العالم الذين تسببت سياساته في مقتلهم، ورحل من دون إدانة أو عقاب.

برع المهاجر اليهودي الألماني في مجاله الأكاديمي، وبزغ صيته خلال فترة دراسته في جامعة هارفارد العريقة، وحظيت أبحاثه وكتبه بالاهتمام والتقدير في الأوساط الجامعية. استقطبه مكتب الأمن القومي في إدارة الرئيس الديمقراطي ليندون جونسون، وهنا بدأت تظهر شخصية كيسنجر الانتهازية والمستغلة للفرص والظروف وتقديمه مصلحته الشخصية على حساب الصالح الوطني العام.

ففي عام 1968 سرَّب هنري كيسنجر معلومات غاية في الأهمية تخص مباحثات السلام السرية في باريس، الخاصة والمعنية بإنهاء حرب فيتنام، إلى حملة المرشح الجمهوري الرئاسي ريتشارد نيكسون الذي تمكن من الفوز بالرئاسة، ليكافئ هنري كيسنجر بتعيينه مستشاراً للأمن القومي. وكان هذا أول تعيين يقوم به نيكسون بعد فوزه بالرئاسة.

وهنا يبدأ هنري كيسنجر في فرد عضلاته وتحديداً في حرب فيتنام التي أسهم في إشعالها بسياسة إلقاء القنابل عليها، واستخدام مادة النابالم المحظورة على أهلها، ولم يكتفِ بذلك بل وسَّع رقعة سياسة إلقاء القنابل المبيدة إلى كل من لاوس وكمبوديا بشكل غير مسبوق (أُلْقِيَ على كمبوديا وحدها 100 ألف صاروخ أي ما يعادل 5 قنابل نووية شبيهة بما أُلْقِيَ على هيروشيما وناجازاكي).

ويفند سياسة كيسنجر المدمرة في فيتنام الكاتب الأميركي ستيفن يونغ في كتابه المهم «خيانة كيسنجر: كيف خسرت أميركا حرب فيتنام» مظهراً قراءته الخطأ للوضع، وانفراده بالرأي، وتوريطه القوات المسلحة الأميركية وحلفاءها على الأرض.

وبعد فوز نيكسون بالفترة الرئاسة الثانية انشغل فترة ليست بالقليلة بتسريبات فضيحة ووترغيت، والتحقيقات الموسعة بشأنها؛ ما كان يعني فعلياً منح هنري كيسنجر مساحة أوسع وغير مسبوقة للتحرك من دون الرجوع للرئيس، وظهر ذلك بوضوح أكبر بعد توليه منصب وزير الخارجية في سبتمبر (أيلول) 1973.

كانت لحظة الذروة لكيسنجر عندما وضع القوات الأميركية في حالة «ديفكون 3» وهي أعلى حالة تأهب نووي في وقت السلم – بعد أن هدد السوفيات بإدخال قوات في الحرب الإسرائيلية - المصرية. من شبه المؤكد أنه لم تَجْرِ استشارة نيكسون، الذي كان في مقر المعيشة بالبيت الأبيض، وكان نيكسون قد عيَّن كيسنجر وزيراً للخارجية مع إبقائه في منصب مستشار الأمن القومي الأميركي. وهذا المزيج لم يحدث من قبل، أو منذ ذلك الحين.

وفي تلك الفترة تحديداً تمكن هنري كيسنجر من رفع مستوى العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل إلى درجة غير مسبوقة، وكان تطبيقاً عملياً لمفهوم أن أمن إسرائيل القومي هو من أمن أميركا، ومنع التواصل بين أميركا والفلسطينيين والذي استمر أكثر من 20 عاماً بوصفها سياسة معتمدة.

هناك كثير من الكتب التي فنَّدت نتائج سياسات هنري كيسنجر الكارثية على العالم، وطالبت باللحاق به بوصفه مجرم حرب لعل من أهمها ما كتبه الصحافي الأميركي المرموق سيمور هيرش بعنوان: «ثمن القوة: كيسنجر في البيت الأبيض لنيكسون»، وكتاب «محاكمة هنري كيسنجر» للمؤلف كريستوفر هيتشنز، اللذين يفندان بالأرقام تكلفة سياسات كيسنجر، تدمير كمبوديا: 300 ألف قتيل، غزو تيمور الشرقية: 200 ألف قتيل، انقلاب تشيلي والمجيء بالسفاح بينوشيه، تدمير بنغلادش: 3 ملايين قتيل، حرب الأرجنتين القذرة: 30 ألف قتيل واختفاء 30 ألفاً، تدمير لاوس: 200 ألف قتيل، حرب فيتنام: 3 ملايين قتيل.

حاول كيسنجر تسويق نفسه وتقديم خدماته لإدارة الرئيس جيمي كارتر الذي انتصر على جيرالد فورد (الذي أبقى على خدمات كيسنجر معه بعد استقالة نيكسون)، إلا أن عرض كيسنجر قوبل بالرفض التام من قبل منافسه اللدود مستشار الأمن القومي زبيغنو بريجنسكي المهاجر اليهودي البولندي الذي عرف باستراتيجياته السباقة مثل توقعاته في السبعينات الميلادية عن تأثير التقنية الحديثة على انتشار الديمقراطية، وأيضاً تحذيره المبكر من علاقة روسيا بإيران المتصاعدة.

حاول كيسنجر بعدها تسويق نفسه مفكراً وكاتباً ومستشاراً، وكان عاشقاً للأضواء لآخر يوم في حياته. كتب عدداً مهماً من الكتب، ومع التغيير المستمر في أساليب كتابتها أدرك كثيرون أنها مؤلفات مقاولة من الباطن.

نجاح هنري كيسنجر الأكبر هو قدرته على صناعة الهالة الأشبه بالأسطورة حول نفسه لتبقى إرثه ونصيبه من الحلم الأميركي الذي قبل بالأسطورة، وتغاضى عن الجرائم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هنري كيسنجر حياة مثيرة للجدل هنري كيسنجر حياة مثيرة للجدل



GMT 20:14 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

جوال قتّال

GMT 20:12 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدهناء وبواعث الشجن

GMT 20:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

محاولات لفتح ملفات لوكربي المغلقة

GMT 20:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الطرح المخاتل لمشكلة الهجرة غير النظاميّة

GMT 20:06 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

المعرفة القاتلة والحرب المحتملة

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 19:26 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الفنان عمرو دياب يتألّق عند سفح أهرامات الجيزة
المغرب اليوم - الفنان عمرو دياب يتألّق عند سفح أهرامات الجيزة

GMT 10:36 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

أسرع طريقة للتخلص من كل مشاكل شعرك بمكوّن واحد

GMT 17:44 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

المدرب دييغو سيميوني يحصد جائزة "غلوب سوكر ماستر كوتش"

GMT 03:05 2017 الثلاثاء ,04 تموز / يوليو

"سوق كوم" تندمج في "أمازون"

GMT 16:13 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

الإعلان عن موعد قرعة دور الـ16 في دوري أبطال أوروبا

GMT 11:48 2016 السبت ,22 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شخصين وإصابة آخرين إثر حادث سير مروّع في الجديدة

GMT 21:38 2016 الإثنين ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة أقدم باندا عملاقة في العالم عن عمر 38 عامًا

GMT 13:04 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ليلى الطوسي تقدم الزي المغربي التقليدي بشكل عصري أنيق

GMT 12:58 2023 الأحد ,28 أيار / مايو

منتجع في المالديف يمتد عبر جزر مختلفة

GMT 10:21 2022 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

هزة ارضية قوية تضرب الناظور و نواحيها

GMT 17:17 2022 الأربعاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلاقُ نظام فضائي لاتصالات الجيلِ الخامسِ الجوالةُ
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib